رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد همودى
ads

نعم نحن مختلفون

السبت 23/يناير/2021 - 07:51 م
الحياة اليوم
د. بسام صبري
طباعة


لدينا عيب راسخ بداخلنا، لكننا نرفض الاعتراف به، ونحاول إنكاره دائمًا.. العيب أننا لا نحترم الاختلاف.. العيب أننا نرفض الآخرين طالما هم مختلفون.. العيب أننا ندَّعي التسامح كذبًا ويسكن في قلوبنا كراهية من يختلفون عنا .

هل امتلكتَ من قَدَرِك شيئًا؟

هل اخترتَ اسمك، أو بلدك، أو جنسك، أو عِرْقَك، أو لونك، أو دينك، أو حتى أبويك؟!

بالطبع لا.

أنت نتاج القَدَر والبيئة التي نشأت فيها والتربية التي حصلت عليها. فلو وُلِدْتَ في الهند، ربما تكون هندوسيًّا تقدِّس البقر، ولو وُلِدْتَ في الصين، ربما تكون ملحدًا ترفض الإله.

لو وُلِدْتَ في أسرة محافظة، ربما تلتزم بقِيَم وتعاليم الدين، ولو وُلِدْتَ في أسرة متحررة، ربما لن تهتم مطلقًا بأي دين.

أتعجب لك.. لماذا تُنهِكُ نفسَك في صراع دائم حول أمور لم تختَرْها أصلًا؟!

لماذا تسمح للأحقاد والبَغْضاء بأن تفسد قلبك ضد أخيك؟!

لماذا هذا كل التنمر ضد الغير؟!

لعبة القدر هي من وضعَتْك هنا، ووضعت أخاك هناك. إذًا أنت لا تمتلك شيئًا لتتباهى به، ولا يحق لك أن تظن نفسك مميزًا عن غيرك.

عليك أن تخرج من زنزانتك المغلقة، وتنظر إلى العالم بنظرة واسعة شاملة ومختلفة.. عالم يسكنه المليارات من البشر ممن يختلفون عنك في أمور عدة، لكنهم يجتمعون معك في شيء واحد.. "الإنسانية".

مظلة الإنسانية تجمعنا وإن فرَّقَتْنا الأقدار.

ولن تؤمن بالإنسانية إلا إذا آمنْتَ بأن داخلك ألف اختلاف، ويحق لغيرك الاختلاف، وأن رحمة الخالق بنا في الاختلاف.

أَرثِي لحالك، فبدلًا من أن تَركَنَ الى الحوار، تعلن النفير، وتذهب إلى الحرب، وتعود ملابسُك ملطخةٌ بدماء أخيك؛ لتعلن النصر.

أي نصر هذا؟!

وعلى من انتصرتَ يا تُرَى؟!

هل انتصرت على القَدَر، أم على الإنسان بداخلك؟!

لون الدم واحد وإن اختلف القاتل والمقتول.

أنا لا أعيش في مدينة أفلاطون الفاضلة، ولا أؤمن بوجودها مطلقًا.. أنا أنتحب من أفعال الإنسان، وأتعجب من سلوكه الغريب.

يعتقد الجميع أنهم يمتلكون الحق المطلق، ويندفعون في تبريره. فإذا كان الجميع يمتلكون الحق، فأين الباطل إذًا؟

وإذ عرفنا فعلًا من يمتلك الحق، ما الفائدة؟ هل سيقتنع الآخرون بأنهم على باطل؟!

دعك من سجالات الحق والباطل، والصواب والخطأ. اعتنِقْ ما تراه أنه الحق، ودع الآخرين لمعتقداتهم. لا تُنصِّبْ نفسك حاكمًا وقاضيًا على رقاب المختلفين عنك.

العقل البشري دائمًا متحيز، ولا يمكن أن يفكر في أمر واحد من كل الزوايا؛ لأنه لا يستطيع أن يرى سوى جانب واحد فقط يؤمن به ويتعصب لأجله.

المشاعر تُشوِّش على عقل الإنسان وحكمه على الأمور وقدرته على إحداث التوازن بداخله، والمشاعر ترتبط دائمًا ببيئة وبذكريات وثقافة ومعتقدات الإنسان الذي تلقاها منذ نعومة أظافره، منذ كان طفلًا يتلقى ولا يستوعب ما يتلقاه.

أتعجب لهؤلاء المتعصبين الذين يبرِّرون لجرائمهم وينكرونها على غيرهم، فلا يدركون أنهم يعانون قصورًا في التفكير وازدواجية في المعايير.

أرثى لحال هؤلاء من يستميتون في الدفاع عن جَبهتهم، وقد يجدون أنفسهم غدًا على الجبهة الأخرى.

فالقلوب بين أصابع الرحمن، والعقول بين أيدي القدر.

                                           
ads
ads
ads