رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد همودى
ads

المؤمن عزيز وسيد الكون

الثلاثاء 26/يناير/2021 - 09:17 م
الحياة اليوم
عاطف عبد الفتاح صبيح
طباعة


(تنبيه مهم: المؤمن هو كل من آمن بالله منذ بدء الخليقة إلى يوم القيامة).

عندما كان "العبد الحبشي الأسود" بلال بن رباح يئنُّ تحت حجر ملتهب على صدره، ويشوي ظهرَه لهيبُ رمال الصحراء، ويعذِّبه سيِّدُه أُمَيَّة بن خَلَف، كان بلال العزيز وأُمَيَّة هو الذليل.

وعندما اختبأ الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور، والجميع يلاحقونه، قال الله عز وجل عنه "إلَّا تنصروه فقد نصره الله".

فهل الفرار والاختباء من القوم نصر؟

نعم؛ لأن النصر ليس بالقوة، وإنما بالثبات على المبدأ. فكل القوم لم يقدروا أن يُرجِعوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن مبدئه. فـ "قوة نفوذ" القوم عجزت أمام قوة إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم وعزيمته. لماذا؟ لأنه يستمد القوة من الله خالق كل شيء.

المؤمن عند الله قوي عزيز أبيٌّ، قادر على تغيير نظام الكون؛ لذا فإن خالق القوة دائمًا ما يذكرنا بحجمنا الطبيعي بقوله سبحانه وتعالى "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ".

وفي المقابل جعل الذلة والمهانة لمعسكر أعداء الله "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ".

بهذه الطاقة التي يستمدها المسلم من نفخة روح الله فيه لا بد أن يدرك المؤمن أنه العزيز. وهذه حقيقة إلهية ربانية وكونية.

لما خلق الله آدم، جعله أعزَّ من الملائكة، وأنزل آيات تنسب العزة (نفسها) للمؤمنين، "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين".

والله وحده الذي يعز ويذل "وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ". ويقول الحديث النبوي "لا يبقى على ظهر الأرض بيتُ مَدَرٍ، ولا وَبَرٍ، إلَّا أدخلَه الله كلمة الإسلام، بِعزِّ عَزِيزٍ، أو ذُلِّ ذَلِيلٍ، إمَّا يُعِزُّهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يُذِلهُّم، فيدينون لها".

والحق أن ما عدا الإنسان المؤمن هو عبء على الأرض؛ لأن الله خلق الكون للإنسان، شريطة أن يؤدي الأمانة، وهي تعمير الأرض بمنهج الله وبالعلم الذي فضَّل به أباه آدم على الملائكة، فمن لم يفعل، فقد نقض شرط وجوده؛ لذا وصفه الله بأنه ظَلوم جَهول: "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا".

والأمانة لا تقتصر على الطقوس؛ فهي لا تتعدى نسبة 10% من اليوم، وإنما تعمير الأرض بالعلم والمعاملات بجميع تنويعاتها.

بل إن صلاتك وصيامك وحجك وجهادك يمكن ببساطة أن تصير هباء منثورًا لأنك ظلمت إنسانًا أو حيوانًا، أو حتى جمادًا.. متخيلين؟ كما حدث مع المرأة التي كانت تؤذي جيرانها. "قال رجلٌ يا رسولَ اللهِ إنَّ فلانةَ فذَكَرَ من كثرةِ صلاتِها وصدقتِها وصيامِها غيرَ أنَّها تُؤْذِي جيرانَها بلسانِها، قال هيَ في النارِ".

وما أكثر الشواهد على أهمية المعاملات التي تخسف عملاً وترفع عملاً، كالعاصي الذي سقى كلبًا، ودخل الجنة، والغانية التي سقت أيضًا كلبًا، ودخلت الجنة.

وعن تطبيقات عزة المسلم يلازمني مشهد للصحابي ربعي بن عامر الذي قابل رستم قائد الفرس.. وكان بمنطق إمبراطورية الفرس العظمى أعرابيًّا حافيًا أجرب.. اقرءوا معي المشهد كما ورد في كتب التراث:

وانطلق ربعي على فرسه الصغير ذي الذيل القصير، يلبس ثيابًا بسيطة (قديمة ومهلهلة ولكنها نظيفة)، ويربط سيفه في وسطه، ويحمل فوق ظهره السهام، وفي مِنْطَقته (ما يُشَدُّ به الوسط مثل الحزام) السيف، وله جَحْفَة (مثل مشَنَّة الخبز) من جريد النخل مثل التُّرس يَتَّقي بها (يصدُّ) السهام، وعندما دخل بفرسه وجد الوسائد المُوَشَّاة (المُزيَّنة) بالذهب، فقطع إحداها، ومرَّرَ لجام فرسه فيها وربطه به، واتجه صوب رستم وهو يتكئ على رمحه، والرمح يدبُّ في البُسُط فيُقطِّعُها، وجلس على الأرض.

سأله رستم: ما دعاك لهذا؟ (الجلوس على الأرض)، فقال: إنَّا لا نستحبُّ أن نجلس على زينتكم. فقال له رستم: ما جاء بكم؟

فقال له: لقد ابتعثَنا اللهُ لِنُخرِجَ العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمَنْ قَبِلَ ذلك منا قَبِلْنا منه، وإن لم يقبل قَبِلْنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر. فقال له رستم: قد تموتون قبل ذلك. فقال: وعدنا الله أن الجنة لمن مات منا على ذلك، وأن الظفر لمن بقي منا.

فتَرَجَّاه رستم أن يمهله فترة، يستشير فيها كسرى عظيم الفرس.

أعتقد أن هذا الموقف جمع كل ما يمكن أن يقال.

والسؤال: كيف يمنح الله العزة للمؤمن؟

مصدر عزة المؤمن الوحيد هو "الذلُّ" لله وللمؤمنين، فالكبر يضع الإنسان في عداء مع الله عز وجل. ولك أن تتخيل أن قمة العز وقمة الذل السجود لله. فكلما سجدت لله، وتذلَّلْتَ له، رفعك عزة. وكلما ذللتَ نفسك للمؤمنين ارتقَيْتَ في مدارج العزة والكرامة.

يقول النور الهادي: "ما من عبدٍ يسجد لله سجدة، إلا رفعه بها درجة، وحطَّ بها عنه خطيئة".

وقال تعالى "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ".

وبهذه المنهجية لا يمكن أن يركب المؤمن الكبر والغرور: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ"، "وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا"، "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ".

وحسم الرسول المختار القضية بحديثه القدسي عن رب العزة: "الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ".

ولحكمة الله كانت جريمة إبليس هي الكبر، فاستوجبت لعنه: "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ".


*****************************************

مقالات أخرى للكاتب

تخليق كورونا: الجينوم| كريج فينتر| فرانسيس كولينز| بيل جيتس| هوبكنز

Me before you.. كيف ضفَّرَ المؤلف المنطق والوجدان لنهاية حتمية؟

هزار ومقالب.. الإسلام عدو الكآبة وثقل الدم

كيف دلع الإسلام المرأة

كائن منقرض اسمه «الذوق»

ولكنكم تستعجلون


                                           
ads
ads
ads