رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد همودى
ads

النانو تكنولوجى بين الأمل والحذر

الأحد 03/أكتوبر/2021 - 05:07 م
د. رشاد شعيب.. المركز القومى للبحوث
طباعة


أصبح علم النانوتكنولوجى الأكثر أهمية وإثارة في العديد من المحافل العلمية, فقد أعطى أملاً كبيراً لثورات علمية واعدة لها القدرة على تغيير شكل وطبيعة الحياة جذريا وفى شتى المجالات مثل الصحة والزراعة والصناعة والاتصالات والفضاء والبيئة والطاقة والغذاء والبيتروكيماويات، وسوف ينتج عنه فوارق اقتصادية كبيرة من شأنها إعادة ترتيب الدول معرفيا واقتصاديا ولطالما تقترن التكنولوجيا بمصطلح "النمو"، وتكون الدول الأكثر نموا على رأس قائمة الدول الأكثر استخداما لتقنية النانو.

وعلم النانو تكنولوجي هو العلم الذي يهتم بدراسة الخواص الفيزيائية والكيميائية للمادة عندما تكون فى حدود مقياس النانو؛ والنانو عبارة عن جزء من مليار جزء من المتر؛ ولك أن تعلم بأن قطر شعرة الإنسان حوالي 80000 نانومتر، وعند هذه الحدود تكتسب المادة خصائص وسلوكيات جديدة تختلف اختلافا كبيرا باختلاف نوع المادة النانوية وأيضا باختلاف حجم المادة النانوية حتى داخل حدود مقياس النانو وكذلك تختلف باختلاف شكلها عند نفس الحجم.

وأول من تطرق لفكرة ومفهوم النانو هو الفيزيائي ريتشارد فاينمان خلال محاضرته الشهيرة في اجتماع الجمعية الفيزيائية الأمريكية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عام 1959م بقوله:"هناك حيزٌ كبيرٌ في القاع"، واقترح أنّه من الممكن التحكم في الذرات والجزيئات والسيطرة عليها، وبعد عقدٍ من الزمن جاء البروفيسور نوريو تانيجوتشي الذي صاغ مصطلح التكنولوجيا النانوية في أبحاثه حول المعالجة الفائقة الدقة.. وعلى الرغم من أن علم النانوتكنولوجى حديث نسبياً، فإن وجود أنظمة تعمل بهذا المفهوم ليس بالأمر الحديث، حيث إنه من المعروف أن الخلايا الحية تعد مثالاً مهما لتقنية النانو الطبيعية، حيث تعتبر الخلية مستودعاً لعدد كبير من العضيات البيولوجية  بحجم النانو وتقوم بتصنيع جزيئات أولية بحجم النانو، وكذلك فإن تقنية التصوير الفوتوغرافي تعتمد منذ قرون على إنتاج غشاء مغطى بجسيمات النانو فضة الحساسة للضوء.

          ويعود الاهتمام الواسع بالنانوتكنولوجى إلي العقد الأخير من القرن الماضى عندما قام المركز العالمي للتقييم التقني فى أمريكا بدراسة حول أبحاث النانو وأهميتها في التطور التقني. وأوصت الدراسة بأن للنانوتكنولوجى مستقبلاً عظيماً في جميع المجالات، ونظرا للثروة العلمية المتوقعة لتطبيقات النانو فى شتى المجالات فقد أعدت الولايات المتحدة الأمريكية مايعرف بالمبادرة الوطنية لتكنولوجيا النانو عام 2001 وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز ودعم أبحاث النانوتكنولوجى ومنذ ذلك الحين استثمرت الحكومة الأمريكية مايزيد عن 21 مليار دولار فى دعم بحوث النانو تكنولوجى وفى المقابل ارتفعت نسبة الانفاق العالمى فى هذا المجال  من قبل الحكومات والقطاع الخاص إذ يوجد أكثر من 60 دولة تدعم وتساند أبحاث النانو بمبالغ باهظة وفى مقدمتها اليابان وروسيا وألمانيا والصين وكوريا التى خصصت وحدها ما يقرب من 10 بليون دولار لدعم النانوتكنولوجى، أما عن اهتمام هذه الدول بالكادر البشرى فلك أن تعلم أنه قد بلغ عدد الباحثين فى هذه التقنية في الصين 4500 متخصص في عام 2005م، 30% منهم يحملون الدكتوراه أو أعلى و40% منهم يحملون شهادة الماجستير أو ما يعادلها، بينما احتلت مصرُ عالميًا المرتبةَ 25 فى النانو تكنولوجي (تصنيف مؤسسة SCImago الأسبانى).

وهنا لا يتسع بنا المجال للحديث عن تطبيقات النانوتكنولوجى ولكن على سبيل المثال لا الحصر:

·في المجال الطبي يتم استخدام جسيمات نانوية لتوصيل الأدوية لأنواع محددة من الخلايا مثل الخلايا السرطانية، بحيث يتم تصميمها بطريقة تنجذب فيها إلى الخلايا المريضة فقط مما يتيح الكشف المبكر عن المرض، ومن التطبيقات الحديثة على ذلك قيام باحثين في جامعة ولاية نورث كارولينا بتطوير طريقة لتوصيل الخلايا الجذعية القلبية للأنسجة التالفة في القلب، عن طريق قذف جسيمات نانوية في الجزء المصاب تنجذب إليها الخلايا الجذعية السليمة لإصلاح الأنسجة التالفة، وكذلك يتم استخدام الجسيمات النانوية في منتجات العناية بالبشرة التي تعمل على توصيل الفيتامينات إلى عمق الجلد، وتستخدم أيضاً في الكريمات الواقية من الشمس لمنع الأشعة فوق البنفسجية من اختراق الجلد دون ترك آثار عليه، كما لعبت تكنولوجيا النانو دورا كبيرا ورائدا فى ظل جائحة كورونا من خلال تصنيع مطهرات كان لها دور فعال فى مكافحة العدوى والحد من انتشار المرض.

·فى مجال الصناعات الغذائية تلجأ بعض الشركات إلى وضع جزيئات النانو فضة في الأغذية لتعمل كعامل مضاد للجراثيم لحفظ الفاكة والخضراوات من التلف.

·فى مجال الزراعة أصبح إنتاج الأسمدة والمغذيات النباتية والمبيدات الحشرية والفطرية بتقنية النانوتكنولوجى أمر واسع الانتشار لما يميز هذه المنتجات بقدرة وكفائة عالية وسعر منافس، وفى مجال التكنولوجيا الحيوية الزراعية يتم استخدام النانوتكنولوجى في التعديل الوراثي  لبعض النباتات للحصول على نباتات متحملة للظروف البيئية المغايرة أو مقاومة للأمراض وأكثر إنتاجية.

·كذلك يتم استخدام النانو تكنولوجي في قطاع التشييد والبناء من خلال إيجاد مواد أقل تكلفة وأكثر كفاءة، فالأسمنت المصنوع بتكنولوجيا النانو يمتازبضعف قوة الأسمنت العادي، وأقل تكلفة، وكذلك الحديد تصل قوته إلى 60 ضعف قوة الحديد غير المعالج بالنانو ويستخدم الآن في العديد من الدول.

والآن وليس غدا أصبح من الأهمية بمكان اعتماد النانو تكنولوجي مشروعا قوميا لمصر، لقدرته الفائقة على حل كثير من المعضلات التنموية فى شتى المجالات، كما يجب على صانعى القرار دعمه بقوه لأنه يمثل لنا ضرورة ملحة وليس مجرد رفاهية بحثية، وفى هذا الصدد فقد كان للمركز القومى للبحوث السبق فى دعم وتبنى بحوث النانو تكنولوجى منذ البداية.

ومع تنامى واستمرار استخدام المواد النانوية بشكل كبير، قد يحدث التعرض المقصود أو غير المقصود مما يؤدي إلى درجة أكبر من المخاطر على صحة الإنسان حيث تحدث السمية الوراثية أضرارًا شديدة الخطورة على المادة الوراثية للخليةDNA ومن ثم فإنها تؤدى إلى حدوث طفرات فى مسارات التمثيل الحيوى ذلك النفق الحالك الظلام الذى لا يعلم ما وراءه إلا الله وهذا ما يدعونا إلى الحذر وإلى مزيد من دراسات السمية الوراثية للمواد النانوية للوصول إلى الحد الآمن المؤمن حتى نتفادى التأثيرات الضارة لجزيئات النانو ونعظم الاستفادة منها ونحمى البيئة والأجيال القادمة.

 

 

                                           
ads
ads
ads