رئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد علي
ads

A380F.. الحلم الذي لم يرَ السماء.. قصة أكبر طائرة شحن لم تُولد

الثلاثاء 18/نوفمبر/2025 - 12:00 ص
الحياة اليوم
محمود السعدي
طباعة


كانت إيرباص في مطلع الألفية الجديدة تستعد لإحداث ثورة جديدة في عالم الشحن الجوي، بعد النجاحات الأولية التي حققها مشروع طائرة الركاب العملاقة A380، ومع طموح الشركات اللوجستية الكبرى لزيادة قدراتها التشغيلية، ظهرت نسخة A380F—التي كان من المفترض أن تكون أكبر طائرة شحن تجارية في التاريخ، بقدرة تحميل تصل إلى 150 طنًا على الرحلات الطويلة. 

ولقد بدا المشروع واعدًا للغاية، خاصة مع إعلان شركات كبرى مثل FedEx و UPS و Emirates عن رغبتها في اقتناء هذا الطراز العملاق، إضافة إلى شركات تأجير دولية كانت ترى فيه مستقبل الشحن الجوي لعقود قادمة.

لكن سرعان ما بدأت الصورة الوردية في التلاشي. فمع تعمّق إيرباص في التفاصيل الهندسية، تبيّن أن تصميم الطائرة الأصلية، الذي جرى تطويره أساسًا لنقل أكبر عدد من الركاب، يفرض قيودًا ثقيلة على نسخة الشحن. فعلى الرغم من المساحة الداخلية الضخمة على طابقين، فإن توزيع الأوزان كان يشكل معضلة هندسية معقّدة:
الشحنات الثقيلة يمكن وضعها فقط على السطح السفلي بسبب قدرة أرضيته على تحمل الضغط.
السطح العلوي لم يكن مناسبًا إلا للحمولات الخفيفة، مما جعل الاستفادة الحقيقية من المساحة الداخلية محدودة.

وما فاقم المشكلة أن A380F كانت تفتقد إلى أهم ميزة جعلت أسطورة بوينغ 747 ملكة الشحن لعقود: باب الأنف الأمامي. هذا الباب يسمح بتحميل البضائع الطويلة والثقيلة بسهولة داخل 747F، بينما كانت A380F تعتمد على أبواب جانبية صغيرة ترفع الزمن اللازم للعمليات الأرضية وتعقد دورة التشغيل. وبشكل مباشر، أصبحت الطائرة تصل إلى حد أقصى للوزن قبل أن تملأ كامل حجمها الداخلي—وهو خط أحمر بالنسبة لأي شركة شحن تبحث عن أعلى مردود ممكن من كل رحلة.

ورغم ذلك، كانت لديه فرصة لولا الضربة الأشد: أزمة إنتاج A380 الأساسية. ففي منتصف سنوات التطوير، بدأ برنامج A380 يعاني من تأخيرات كبيرة بسبب مشكلات في الأسلاك والبرمجيات، أدت إلى تأجيل عمليات التسليم سنوات كاملة. ومع كل تأخير، كانت ثقة شركات الطيران والمستثمرين تتراجع، حتى بدأت FedEx ثم UPS بإلغاء طلباتهما تباعًا، وهو ما وجّه ضربة قاصمة لنسخة الشحن.

وبحلول عام 2013، اختفت A380F تمامًا من خطط إيرباص. ومع مرور السنوات، ازداد الفارق اتساعًا بين ما كانت تحلم به إيرباص وما يطلبه سوق الشحن، فقد استمرت بوينغ في تقديم خيارات أكثر مرونة وأقل مخاطر تشغيلية، عبر طرازات 747-8F و777F ثم 777-8F، وكلها طائرات تقدّم مزيجًا مثاليًا من المدى، واستهلاك الوقود، وسهولة تحميل البضائع الثقيلة والكبيرة.

اليوم، وبعد تحوّل التجارة الإلكترونية إلى قوة اقتصادية كاسحة، يعود السؤال إلى الواجهة:
هل كان يمكن لطائرة مثل A380F أن تنجح لو طُوّرَت اليوم؟
ربما كان الطلب على السعة الضخمة سيمنحها فرصة جديدة، وربما كانت التطورات الحديثة في المواد خفيفة الوزن ستُسهِم في معالجة بعض القيود القديمة… لكن الواقع أن السوق يميل دائمًا إلى الطائرات الأكثر مرونة، لا الأكبر حجمًا.

ويبقى مشروع A380F شاهداً على أن الطموح وحده لا يكفي للتحليق، فالعوامل الاقتصادية، ومتطلبات التشغيل، والتوازن الهندسي هي التي تحدد في النهاية ما إذا كانت الطائرة ستولد أم تبقى مجرد حلم لم يكتب له الإقلاع.


                                           
ads
ads
ads