شاهد عيان
يستمر مؤرخ الإسماعيلية جلال عبده هاشم في السرد لـ "الحياة اليوم" أحداث ووقائع حرب السادس من أكتوبر 1973م والدور البطولي لمحافظة الإسماعيلية في صد العدو الصهيوني حيث يقول:
في أحد أيام أكتوبر 1973 حضر إليَّ المذيع بإذاعة صوت العرب (عاطف عبد العزيز) لعمل تسجيل إذاعي معي وبعض الشخصيات الموجودة بمدينة الإسماعيلية في ذلك الوقت، بعد التسجيل قلت له: "عاوز أفرَّجك على منظر لن تنساه طول عمرك، وسأعرفك على أناس ستفخر بأنك تقابلت معهم". رحب عاطف بهذه المبادرة، أخذتُه بسيارة الإذاعة التي كانت معه وكان يصاحبه أحد الأشخاص، بالإضافة لسائق السيارة، سارت بنا السيارة إلى منطقة (أبو عطوة)؛ المنطقة التي يسودها الهدوء المصحوب بخوف، ترقب حذرا، لا أحد يمشي، لا حياة في المنطقة، السكون قاتل.. كانت الساعة حوالي الواحدة بعد الظهر، أخذنا طريقنا إلى عمق الطريق، طلبت من السائق الوقوف في ركن منزل، نزلنا من السيارة، سرنا بعض خطوات، اقتربنا من المكان المنشود، فجأة انقلب السكون الموحش إلى صراخ مذهل؛ صوت عالي يهتف: تحيا مصر، الله أكبر، الله أكبر. أخذ يقفز في الهواء صاحب الصوت العالي هاتفاً لمصر ورجالها الأبطال، شاكراً الله عز وجلَّ على ما رآه أمام عينيه... كان صاحب هذا الحدث المذيع عاطف عبد العزيز نفسه عند المكان المنشود لم يتمالك نفسه، لم يتحكم في مشاعره، عبر عما بداخله؛ لقد شاهد بأم عينيه ثلاث دبابات إسرائيلية مدمرة تماماً وما زال آثار الدخان يخرج منها بالرغم من مرور ثلاثة أيام على تدميرها، وأيضاً جثث الإسرائيليين في مواقعها خارج الدبابات منتشرة على الأرض.. لا روح ولا حياة فيها. هذا المنظر أي إنسان آخر مصري أو عربي شاهده على الطبيعة سيفعل أكثر مما فعل المذيع عاطف عبد العزيز، الذي ظننا أنه فقد عقله، فقد كان في هذا الموقع ثلاث دبابات إسرائيلية كان جيش العدو قد دفع بها من منطقة ثغرة الدفرسوار لدخول مدينة الإسماعيلية حتى يوهم العالم بأنه دخل إحدى مدن القناة واحتلها، بالرغم من أنه كان يعلم حقيقة أنه لن ينجح عسكرياً، ولكنه كان يرغب في النجاح إعلامياً فقط، وبالفعل فشل عسكرياً وإعلامياً... فقد كانت الصاعقة المصرية في انتظاره ورحبت به وأنالته جزاءه. وكان من بين أفراد الصاعقة أحد المقاتلين من أبناء الإسماعيلية وهو الجندي (إبراهيم عبد العال) صائد الدبابات والذي قامت إدارة الشئون المعنوية بتوزيع صورته بجوار الدبابات المحترقة وهو يقف بين الحطام.
نعود للمذيع عاطف عبد العزيز.. صمم هو وسائق سيارة الإذاعة ألا يعودا إلى القاهرة إلا ومعهم ما يدل على صدق ما سيحكونه لزملائهم بالإذاعة والأهل والأصدقاء، حاول بعضهم فك أجزاء من الدبابات لأخذها كتذكار وهدايا وكشاهد لبطولة رجال مصريين أقوياء، وهزيمة أعداء جبناء... في طريق العودة من موقع الدبابات وقفنا في موقع على الطريق تقابلنا مع مجموعة من رجال الصاعقة المصرية، الذين لم نشاهدهم أثناء ذهابنا إلى موقع الدبابات، خرجوا لنا من مواقعهم المموهة التي لا يلاحظها أحد، وقفنا معهم حيناهم وشكرناهم على بطولتهم ووطنيتهم، عرَّفناهم بأنفسنا، تصاحبنا وتصادقنا، جميعهم أعطونا رسائل مكتوبة لتوصيلها إلى ذويهم بوضع بعضها في صناديق البريد بالمدينة، وبعضها صمم عاطف عبد العزيز بأن يوصلها بنفسه لذويهم بالقاهرة من السيدة زينب حتى روض الفرج وبولاق، صمَّم أن يوصل الخطابات يداً بيد ويتعارف مع أهل الجنود الأبطال، ويذهب إلى الأحياء الذين أخرجوا أبطال مصر الأوفياء؛ فقد كان عاطف عبد العزيز ومن معه فخورين بهؤلاء الأبطال الذين تصدوا بمدافعهم الـ (آر بي جي) لأحدث ما ورد للإسرائيليين من دبابات ومدرعات أمريكية الصنع.
منذ تلك الأيام أصبح عاطف عبد العزيز وجنود الصاعقة البواسل من أعز أصدقائي، دائماً كنا نتقابل ونتحادث ونتذكر أجمل لحظات العمر وأسعد أحداث عشناها في حب مصر".