رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد همودى
ads

كيف دلع الإسلام المرأة

الخميس 10/ديسمبر/2020 - 12:07 م
الحياة اليوم
عاطف عبد الفتاح صبيح
طباعة


"لَشَدَّ ما عانت المرأة من ويلات الفكرة السائدة بأنها حرَّضت آدم على الأكل من الشجرة؛ ليُطرَدا من الجنة، وكأن تعمير الأرض، الذي بشَّر الله به ملائكته، تكفير لتريليونات البشر عن ذنب الأب والأم!".

"لا بد أن نواجه هذه التهمة بمنتهى الجرأة، ونعرف حقيقتها كما هى لا معها ولا ضدها: هل حواء هى التى حرضت آدم على الأكل من الشجرة؟"

"لن نناقش أصحاب الفكرة، وإنما سنبحث فى كتاب الله القرآن الكريم؛ لنعرف ما قال عن هذه التهمة".

"جاء ذكر الأكل من الشجرة بصيغتين: الأولى هى المثنى: فأكلا منها، فأزلَّهما الشيطان، فبدت لهما سوءاتهما، والثانية بصيغة المفرد: وعصى آدم ربه فغوى، ثم تاب عليه".

"فماذا نفهم من هذا؟ نفهم أن حواء أكلت بالتبعية لآدم، ولم يكن لها دور تحريضى كما روَّج بعض الناشطين الذين لا يتعدَّوْنَ كونهم مجرد ناقلين عن جهل".

كانت الزميلة الصحفية "الناشطة" الحقوقية اليسارية العلمانية الشيوعية من فصيلة منتفخي الأوداج مبرِّقي العين "الحمرا" تستمع وعيناها تتفحصان الكائن الفضائي (اللي هو أنا). ومع آخر جملة أطلقت لسانها المُتربِّص صائحةً بنبرة مُشبَّعةٍ استغرابًا مضروبًا في طغيان: "لا يا أستاذ.. حواء هى التى حرَّضَت آدم".

وأكملت بنبرة يقينة: "المرأة ليست تابعة لأحد.. حواء لها شخصيتها المستقلة".

تماسكْتُ، وقلتُ: "مؤمنة أن المرأة حرَّضَت آدم؟!".

أكملت بلهجةٍ ناشطيةٍ: "خيرٌ للمرأة أن تكون مُحرِّضة وتحمل ذنب خروجنا من الجنة من أن تكون تابعة للرجل".

انصرفتُ من أمامها، وأنا أقول (في نفسي طبعًا): مشكلة آدم وحواء أنهما لم تكن أيامهما لجان حقوق إنسان من التى ملأت لك دماغك.

تعقيب: بطبيعة الأشياء، الكلام كان تَطرَّقَ بنا إلى قضايا من المحفوظات الحقوقية: قوامة الرجل، العصر الذكوري، نظرة الشرقى "التحتانيَّة" للمرأة....... طبعًا متخيلون شكل الحوار، وإلى ماذا انتهى "على خير".

والآن: دعونا "نرجُّ" أدمغتنا من الرَّكْنِ و"نرجرجها"؛ لننفض عنها ركام الرُّغاء الحقوقي، ونُفكِّر:

بالنسبة لمَصدرَي التشريع، الأول "القرآن": هل تخصيص سورة طويلة باسم النساء صدفة؟

والثاني "السنة": هل رواية عائشة لـ 2210 حديثًا، و"خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء" عبثًا؟

هل اختيار المرأة لتكون نبع الإنسان هباء؟ فالإنسان حتى يصبح "إنسانًا" يأخذ جميع عناصر تكوينه من المرأة.

أن يكون أول من أسلم امرأة "السيدة خديجة"، واختيار امرأة لتكون أول شهيد في الإسلام "سمية بنت الخياط"، هل هذا عشوائي؟

أما عن استبسال الناشطات، فعندكم مثلاً أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية، بطلة غزوة أحد بلا منازع، فعندما انفضُّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا قال عنها "ما التفتُّ يمينًا ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني". ووصف شدة تحملها بقوله "ومَن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة! ومَن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة!"، وأخذ يُكرِّرها شعورًا بألمها.

وعن تمرُّد الناشطات ضد الظلم، شكت هند بنت عتبة للنبى صلى الله عليه وسلم أبا سفيان - وكان شحيحًا - فقال لها: "خذى من ماله ما يكفيك ويكفى بنيك".

وجعل زواجها بدون موافقتها باطلاً: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن".

وأباح لها لو أن زوجها مستهتر بحقوقها أن تهجره: قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: "وتهجر المرأة زوجها في المضجع لحق الله؛ بدليل قصة الذين خلفوا في غزوة تبوك".

 بل وتتطلق منه، حتى لو كانت العصمة في يده، مع الحفاظ على حقوقها، وأهمها الإحسان لها، في قوله تعالى "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".

وجعل للأرامل والعجائز حصة من بيت المال، فرضًا على الحاكم لا تَفضُّلاً.

وجعل عقوبة اتهامها في عرضها "بلا بَيِّنَة" ثمانين جلدة.

ورفع بِرَّ الأم لأعلى من الجهاد، فعندما استأذن معاوية بن جاهمة السُّلَمِيُّ، رضي الله عنه، الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد، قالَ له: وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ".

وجعل حسن تربية البنت (دون الولد) موجبًا لدخول أعلى درجات الجنة: "مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ".

وفرض حسن المعاملة: سألت خولة النبي صلى الله عليه وسلم عن حقها من زوجها قال: "أن يطعمك مما يأكل، ويكسوك مما يلبس، ولا يلطم ولا يصيح في وجهك".

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف": طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسِّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم.

وقال الألوسي في "روح المعاني": المراد الإجمال في القول والفعل.

وعن مكانتها في المجتمع والدولة: كان الفاروق عمر يستشير ليلى بنت عبد الله العدوية القرشية التى لُقِّبَت بـ "الشفاء"، وعيَّنها في أول منصب رسمي للقضاء؛ لتكون أول قاضٍ في الإسلام، وولاها قضاء الحسبة وقضاء السوق.

كما ولَّى أسماء بنت نهيك الحِسْبَة؛ لتكون أول وزير داخلية في الإسلام. أخرج الطبرانى عن يحيى بن أبى سُليم، قال: رأيت سمراء بنت نَهيك - وكانت قد أدركت النبى صلى الله عليه وسلم - عليها درع غليظ، وخمار غليظ، بيدها سوط، تؤدِّب الناس، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. (الطبراني، والمعجم الكبير).

وقال الألبانى: "هذه وقائع صحيحة تدل دلالة قاطعة على ما كان عليه النساء من الكمال والسماحة والتربية الصحيحة، حتى استطعن أن يقمن بما يجب عليهن من التعاون على الخير".

وخذوا هذه: المرأة غير مكلفة بخدمة زوجها، وإنما من باب التفضل منها، وهذا رأي جمهور العلماء، ومنهم الشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة وبعض المالكية؛ لأن الأصل أن يحضر الزوج لها خادمة. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأهل الظاهر: لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع، لا الاستخدام وبذل المنافع، وأكدوا أن: الأحاديث المذكورة (عن خدمة الزوجة) إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، لا على الوجوب.

ونختم برقم بسيط، في عالمنا الرقمي، وهو أن أكرم الندوي رصد في كتابه "المحدثات من النساء" (40 مجلدًا) ثمانية آلاف امرأة عالمة بالحديث النبوي، كن رواة حديث ومدرسات لكبار العلماء الذكور الأكثر تأثيرًا في التاريخ الإسلامي، كما أنهن لم يتركن علمًا إلا كان لهن فيه رصيد هائل.

يكفي هذا.

                                           
ads
ads
ads