الناس في بلادي: لماذا ضربني؟!
كل الدكاترة كلامهم مقنع وجميل.. الدكتورة التي شخَّصَت حالتي، وكتبت لي قائمة دواء مقنعة وجميلة.. الدكتورة الثانية التي شخَّصت حالتي، وغيَّرت قائمة الدكتورة الأولى مقنعة وجميلة.. الدكتور الذي ألغَى تشخيصهما وقائمتيهما مقنع وجميل. أين المشكلة؟ أني لم أخفَّ.
"سعيد" صديق حديث وغريب.. لا أستطيع أن أفهمه.. قريتُه احتاجت لتوصيل مياه.. تَطوَّعَ لتحمُّل المصاريف كلها.. كنت سأذهب لطبيب الأسنان.. أخرج من جيبه ألف جنيه.. وناولها لي وهو سعيد وانصرف.. هو فيه إنسان كده؟ هو إنسان ازاي؟!
أول عصا انضربتُها في حياتي.. ليتها كانت من مدرس.. كانت من موظف بمدرستي الابتدائية.. جاء في حصة احتياطية ولم يفعل شيئًا.. يومها كنت خجولاً جدًّا.. حتى إنني انكسفتُ أن أسأله: لماذا ضربْتَني؟.. فأنا الوحيد الذي لم يتكلم.. وكل الفصل أشقياء ومُتبجِّحون.. الآن كبرتُ وأدركتُ أنه لهذا ضربني.
خطيب الجمعة ملعلع في الحديث عن الزهد وفتنة المال.. الناس خاشعون، وعلى رءوسهم الطير.. يهزُّون رءوسهم تأثرًا بالكلام، لا تطفيشًا للعصافير المدقوقة.. جميعهم بلغوا مرتبة الأولياء في الزهد.. طفل مال على أبيه: يعني إيه فتنة المال؟
شخط فيه: اسكت خلِّينا نسمع الكلام الحلو.
صديقي وَرِع بشكل مذهل.. إذا سلَّمَت عليه إحدى حاملات تاء التأنيث، انتفض وتوضأ من جديد. تعجَّبَت إحداهنَّ من تعجُّبِي.. قالت: هو أوْرَعُ من هذا بكثير.. صديقتي اتصلَتْ به.. بعد المكالمة أخذ "شاوَر".. وكان في عزِّ البرد وبالليل.
الفتاة من "إيَّاهنَّ" تُعطِّل نزولها المستعجل.. تقف أمام المرآة بطولة بال.. تُتمِّم على كل فسفوسة.. وكل تفصيلة لفسفوسة.. أخيرًا تركب المواصلات.. يلفت لبسُها ومظهرُها بعض الركاب.. تُبدِي امتعاضًا من نظراتهم.. يتحرَّجون من النظر إليها.. ويدلدلون رقابهم.. تكتم غيظها: خسارة ساعتين أضعْتُهما أمام المرآة.
السلفيون خطفوا تريند لفت الانتباه.. يسار الرصيف شيخ بجلابية مأزعرة.. وشبشب بصباع "شايف العالم المغيبة؟! فاكر نفسه عايش في عصر الخيمة".. يمين الرصيف شيخ آخر يركن سيارته الفاجرة.. يفتح الباب، فتنبعث نسائم من التكييف "شايف مولانا.. راكب عربية آخر موديل"! على بعد خطوات.. تقف فتاة "منهنَّ".. تفكر بجدية في لبس نقاب؛ لعل وعسى.
في المترو يظهر المعدن المصري الأصيل.. ينتفض شاب ليُجلِس سيدة.. تقعد وتحشر ابنها.. يُحرَج مَن على يمينها.. يقوم لتجلس براحتها هي وابنها.. وعلى مسافة مليمترات يتسنَّد مُسِنٌّ على عكازه، وهو يرقب المشهد.
أم تجلس وإلى جوارها طفلها.. طاعن في السن يتشعبط في عكازه.. تغضب من صاحب لسان فالت.. "قَعَّدي الحاج وخدي المفعوص على رجلك".. حقها هي قاطعة له تذكرة.. ستأتي محطتها وتنزل.. وتعود لبيتها.. دقائق الأتوبيس ستمر.. الصغير سيكبر.. ويبقى معها في البيت.. وسيسقيها ما أرضعته وهو صغير.
محطات المترو أصبحت "أسواق العتبة والموسكي".. المحلات والباعة الجائلون والمتسولون.. زحام الإعلانات يحاصر الأعين في كل مكان... زحام الركاب يُعطِّل السلالم الكهربائية.. زحام الركاب يُنهِكُ القطارات.. زحام الركاب ينحت القضبان.. زحام الركاب يكحت البلاط.. زحام الركاب طفَّش كورونا.. طبيعي أن يُخَسِّر المترو.
جروب لطيف في المترو.. دوشونا باستظرافهم الصاخب.. أكثرهم صخبًا شابة بتقفِّل العشرينيات.. "إيه رأيكم نقضِّي كام يوم في إسكندرية؟".. الجروب وافق على الفكرة اللذيذة.. مر المترو على محطة (.....).. فتشَتْ إحداهن سرًّا.. المحطة فيها شغل زوج الشابة.. عفاريت الدنيا ركبوا الشابة.. فشلت محاولات إقناعها أنه هزار.. أطلقت عليهم قاموس الشتائم.. انتبهت لوجود غيرهم في العربة.. أصرَّت أن تنزل أول محطة وتترك "الملاعين".. ألهذه الدرجة تخاف من زوجها؟!