رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد همودى
ads

دار الإفتاء: حضور مصاب كورونا صلاة الجمعة بالمسجد حرام شرعا

الخميس 17/ديسمبر/2020 - 11:21 ص
دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية
عاطف عبد الفتاح صبيح
طباعة

أكدت دار الإفتاء المصرية أن حضور المصاب بكورونا صلاة الجمعة بالمسجد حرام شرعا. وقالت الدار، في بيان صدر لها اليوم الخميس، إنه فى ظل انتشار فيروس كورونا المستجد واتجاه دول العالم إلى ضرورة التعايش مع ظروف هذا الوباء، إذا خاف الشخص الأذى والضرر بفيروس كورونا المستجد جَرَّاء الاختلاط بغيره فى صلاة الجمعة، أو غَلَب على ظنه ذلك، فيُرَخَّص له بعدم حضور صلاة الجمعة ويصليها فى البيت ظهرا.

وحول فتوى التغيب عن صلاة الجمعة وأدائها ظهرا فى المنزل أضافت: أمَّا مَن تَحقَّقت إيجابية حَمْلِه للفيروس، فيَحْرُم عليه شرعًا حضور صلاة الجمعة لما فى ذلك مِن تَعَمُّد إلحاق الضرر بالآخرين لا سيما مع عِلْم الشخص بكون مرضه ذا طابعٍ مُعْدٍ.

وتابعت دار الإفتاء أن: الشريعة الإسلامية الغراء تمتاز بالتوازن بين مقاصدها الشرعية ومصالح الخلق المرعية، وفيها من المرونة ومراعاة الأحوال والتكيف مع الواقع ما يجعل أحكامها صالحةً لكل زمان ومكان، وفى كل الظروف، وهذا يُمَكِّن المسلمَ من التعايش مع الوباء المعاصر مع الأخذ بأسباب الوقاية دون أن يكون آثمًا بترك فريضة، أو مُلامًا على التقصير فى حفظ نفسه وسلامتها.

وأشارت دار الإفتاء إلى أن الإسلام إذ فَرَض الفرائض والشعائر والعبادات، فقد عَلَّمنا أنها لم تأتِ للمشقة، بل لتزكية النفوس وتطهيرها؛ فقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]، وأناطها بالاستطاعة؛ فقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وجاءت النصوص بأن حفظ النفس هو أهم المقاصد العليا التى جاءت بها الشريعة الإسلامية، وأَنَّ سلامة الإنسان فى نفسه وماله أعظم عند الله حرمةً من البيت الحرام؛ فقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَار»، فإذا تعارضت سلامة الإنسان فى نفسه مع واجب من الواجبات أو فريضة من الفرائض؛ قُدِّمت سلامته، وروعيت صحتُه.

وشددت الدار على أنه: إذا أقيمت صلاة الجمعة يجب على مَن حضرها الالتزام التام بما قَرَّرته السلطات المختصة والجهات الصحية من أساليب الوقاية وإجراءات الحماية المختلفة كالتباعد بين المصلين من كل اتجاه، وارتداء الكمامة الطبية، واصطحاب السجَّادة الخاصة بالمصلي، وترك المصافحة عقب الصلاة، والتعقيم بالمنظفات والمطهرات وكل ذلك حفاظًا على أرواح الناس، وحذرًا من انتشار الوباء.

ولفتت إلى أنه: يجوز شرعًا فى هذا الصدد لـمَنْ خاف على نفسه العدوى من الفيروس أو غَلَب على ظنه عدم استطاعته أو غيره التزام إجراءات السلامة الوقائية أن يتخلَّف عن أداء صلاة الجمعة وذلك لأنَّ خوف الإنسان على نفسه من وقوع الضرر -ولو ظنًّا- من الأعذار التى تبيح التخلف عن حضور الجمعة فى المسجد؛ فعن ابن عباس رضى الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ؛ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ تِلْكَ الصَّلَاة الَّتِى صَلَّاهَا» قَالُوا: مَا عُذْرُهُ؟ قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ»، (قال الإمام البيهقي: "وَمَا كَانَ مِنَ الْأَعْذَارِ فِى مَعْنَاهَما فَلَهُ حُكْمُهُمَا").

وأوضحت أن معنى العذر الوارد فى الحديث واسعٌ يشمل كل حائلٍ عن الجمعة مما يُتَأذَّى به ويُخْشَى عواقبه؛ ومنها: المرض، والخوف، والمطر، والبرد، وخوف ضياع المال، وغيرها من الأعذار التى بيَّنها الفقهاء.

وأوضحت دار الإفتاء فى تأصيل فتواها أن كل ما يُسَبِّب الضرر والأذى للنفس والغير هو من الأعذار الـمُسْقِطة لفرض الجمعة فى المسجد؛ ونحن مأمورون بدفع الضرر والأذى فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فالضرر باعتباره مفسدة يجب رفعه وإزالته إذا وقع.

كما يجب دفعه قبل وقوعه فمَنْ خاف على نفسه حصول الضرر بـ«فيروس كورونا المستجد» من الاختلاط بالآخرين إذا غَلَب على ظنه عدم تنفيذ الإجراءات الوقائية الكاملة بالصورة التى تضمن سلامته؛ فله ترك الجمعة فى المسجد، ويصليها فى البيت ظهرًا، والإثم والحرج مرفوعان عنه حينئذٍ.

وشددت على أنه: لا يصح الاعتراض بأنَّ الخوف من وقوع الضرر بالفيروس محتمل فكيف يصح جعله من الأعذار المسقطة للجمعة؟ وذلك لأنَّ سلامة الإنسان فى هذه الحالة ليست فقط مرهونة على أخذه وحده بأساليب الوقاية، بل مرتبطة أيضًا بمَنْ سيخالطهم ويتعامل معهم، ومع تفاوت طباع البشر والاختلاف فى ثقافة التعامل مع الوباء، وفى حرصهم على الالتزام بوسائل الوقاية واستكمال الإجراءات، ومع توقع تهاون البعض فيها، أو حصول التدافع غير المقصود، مع ما قد يستدعيه حضور الصلاة من المرور بالأسواق أو ركوب المواصلات العامة؛ مما قد يصعب معه الحرص على التباعد المطلوب يضاف لذلك أَنَّ الضرر المحتمل هنا متعدٍّ للغير لا قاصر على الشخص نفسه؛ والقاعدة الفقهية تقول: «مظنة الشيء تقوم مقام حقيقته».

كما شددت دار الإفتاء على أن مَنْ تأكَّدت إصابته بالفيروس فإنه لا تجب عليه الجمعة أصلًا رعايةً للسلامة ووقايةً من الأمراض، بل يَحْرُم عليه شرعًا حضور صلاة الجمعة فى المسجد لأنَّ مجازفته بالحضور للصلاة ورميه وراء ظهره خطر هذا الوباء، هو من الإفساد فى الأرض والإضرار بالخلق، وقد نهى الشرع الشريف عن الإفساد والضرر، قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ».

بل إنَّ مرتكب هذا الفعل يتحمَّل تبعات جُرمه وعواقب فِعله، فقد يتسبب بذلك فى موت الكثير من الأبرياء؛ فيجب عليه اتخاذ كافة الوسائل للحفاظ على نفوس الناس، باتباع تعليمات الجهات المسؤولة وأهل الاختصاص من الأطباء ونحوهم إذ هم أهل الذكر الذين تجب استشارتهم فى هذا الشأن، وقد أمرنا الله بالرجوع لأهل الذكر فى قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

وفي ختام البيان ناشدت دار الإفتاء المواطنين جميعًا وجوب الالتزام بالتعليمات الرسمية وقرارات السلطات، وأن تصبح الإجراءات الوقائية ثقافة سائدة فى مزاولة حياتنا فى التجمعات حفاظًا على نفوس الناس وحدًّا من انتشار هذا الوباء.

                                           
ads
ads
ads