رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد همودى
ads

هزار ومقالب.. الإسلام عدو الكآبة وثقل الدم

الخميس 24/ديسمبر/2020 - 03:05 م
الحياة اليوم
عاطف عبد الفتاح صبيح
طباعة

كما أننا مستغربون من حضارة الفراعنة؛ لانفصال الأجيال عنها، نستغرب أيضا عندما نعرف أن الإسلام فيه هزار وتهريج ومقالب كمان، وأنه يحارب ثقل الدم و"الغتاتة".. هذه حقائق ستجدونها في كتب التراث.. أحاديث نبوية وفتاوى علماء وسير رجال ومواقف للرسول صلى الله عليه والصحابة والتابعين وأئمة الفقه. تعالوا نندهش ونتنَّح ونبرَّأ ونبحلق ونزبهلّ، ونستهلك باقة وطاقة الاندهاش كاملة ونحن نقرأ عن المزاح والضحك والهزار والمقالب أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم. وهذا ليس كلامي، ولا تأليفي، وإنما جمعتها كتب الأحاديث والفقه وسير الرجال والتاريخ، ولم يقصدوا يومها الشو الإعلامي ولا التريند، وإنما كانوا يدوِّنونها، من باب الأمانة العلمية. والأمانة العلمية هذه تعرِّفنا بطبيعة الإسلام، الذي صدره لنا مشايخ كتيرون على أنه دين الهم والغم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل والضنك والكمد والكآبة ووووووو.........

فتاوى العلماء في البني آدم الكئيب

نبدأ في البداية بفتوى لشيخ المحدثين الإمام الأعمش، والفتوى حقيقية: إذا كنت تصلي وعن يسارك ثقيل (واحد دمه سم) فإن تسليمة عن يمينك تُجزِئُك.

وكان الإمام الأعمش إذا رأى ثقيلا يقول: "رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ".

وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا استثقل رجلا يقول: "اللهم اغفر له وأَرِحْنا منه".

وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أجِمُّوا هذه القلوب؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان.

وعــن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أريحوا القلوب، فإن القلب إذا أُكرِهَ عَمِيَ.

يقول الإمام الشافعي: "الوقار في البستان من قلة المروءة". لأنك خارج تتفَّسح، مش تغمّ الناس.

وسئل الشعبي عن المسح على اللحية، فقال: خَلِّلْها بالأصابع، قال: أخاف ألا تبلَّها. فقال له: انقعها من أول الليل.

وعن أبي الدرداء: إني أستجمُّ ببعض الباطل (يعني المباحات من الهزار)؛ ليكون أنشط لي في الحق.

وقال ربيعة بن عبد الرحمن: المروءة ست خصال، وذكر منها: كثرة المزاح في غير معصية.

وجاء رجل إلى أبي حنيفة، فقال له: إذا نزعتُ ثيابي ودخلتُ النهر أغتسلُ فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها؟ فقال له: الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك لئلا تُسرَقَ.

ودخل على أبي حنيفة رجل تبدو عليه الهيبة، فضم أبو حنيفة قدميه احتراما له.. وبعد طول صمت تحدث الرجل وقال: يا أبا حنيفة متى يفطر الصائم؟ قال: عند غروب الشمس. فقال الرجل: وإن لم تغرب إلى منتصف الليل؟ فابتسم أبو حنيفة وقال: آن لأبي حنيفة أن يمدَّ رجليه.

قيل للخليل بن أحمد إنك تمازح الناس، فقال: الناس في سجن ما لم يتمازحوا.

وقيل للشعبي: هل تمرض الروح؟ قال: نعم من ظِلِّ الثقلاء. وقال بعض أصحابه: فمررْتُ به يومًا وهو يجلس بين شخصين ثقيلين، فقلت: كيف الروح؟ قال في النزع (في سكرات الموت).

وقيل لسفيان بن عيينة : "المزاح هجنة (عيب)؟ قال : بل سنَّة.

 ندخل على التطبيق العملي للهزار

روى أبو يعلى عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخزيرة (أكلة بقطع لحم صغيرة) طبختها له، فقلت لسودة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينها، فقلت لها : كلي ، فأبت، فقلت: لَتَأكلِنَّ أو لألطخنَّ وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها وجهها، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع فخذه لها، وقال لسودة: الطخي وجهها ، فلطخت وجهي، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم – أيضًا".

أخرج البخاري عن بكر بن عبد الله قال: "كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَادَحُونَ بِالْبِطِّيخِ (يرمون بعض بقشر البطيخ)، فَإِذَا كَانَتِ الْحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالَ".

وقال كعب بن مرة سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ارموا، من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة". قال ابن النَّحَّام: يا رسول الله وما الدرجة؟ قال: "أما إنها ليست بعتبة أمك، ولكن ما بين الدرجتين مائة عام".

مقلب لصحابي جليل باع آخر عبدا.. والرسول ضحك عامًا

خرج سويبط بن سعد بن حرملة، رضى الله عنه، في تجارة لأبي بكر الصديق إلى مدينة بصرى، ومعه نعمان، وسويبط بن حرملة، وكلاهما قاتلا في بدر، وكان سويبط مسؤولاً عن الطعام، وطلب من نعمان "حتة لحمة"، فرفض حتى يأتي أبو بكر.

فأقنع النعمان بعض الأعراب بأن يشتروا سويبط، وقال إن عيبه الوحيد أنه مصر على أنه حر وليس عبدا.

ولما قال إنه حر، ردُّوا عليه "نحن نعلم بالفعل أنك ستقول هذا"، وربطوه، وأرادوا اصطحابه من عنقه (متخيلين؟)، فجاء أبو بكر، وأعاد سويبط.

فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ضحك بشدة، واستمرَّ وصحبُه في الضحك على هذا الحادث عامًا كاملاً.

وعندما سابق الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة وهي كبيرة، جعل الصحابة يشهدون السباق، حيث قال لهم: "تقدموا"، ثم قال لها: تعالي أسابقك".

حَبَا حَبَا مين يجيني؟

وكان نبي الرحمة يوقف عبد الله وعبيد الله وكثير بن العباس في صفٍّ، ويطلب منهم أن يتسابقوا في الجري إليه، والارتماء في حضنه، فيقعون على ظهره وصدره.

الصحابي سفينة حمَّله الصحابة أحمالا ًثقيلة، فلما اشتكى، قال له الرسول: "احْمِلْ؛ فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةٌ".

مواقف الهزار تملأ كتاب التراث؛ لذا يصعب حصرها في مقال.. وسيكون الختام مسك بموقف أقل ما يقال عنه إنه مسخرة بكل معاني الكلمة، لكنه هزار ومع كبار الصحابة، دون حتى مجرد عتاب، حيث لم ينتقده أحد، ولم يكفِّرْه على فعلته.

الموقف بطله صحابي اسمه نُعَيْمان، كان يحب التهريج والمقالب، مرَّ بالصحابي مخرمة بن نوفل، وكان كفيفًا، ويسأل عن أحد يقوده ليبول، فأخذ بيده نعيمان، فلما بلغ "مؤخر المسجد"، قال: هاهنا فَبُلْ. فبال، فصاح الجميع به، فقال: من قادني؟ قالوا: نعيمان.

فقال: للَّه عليّ أن أضربه بعصاي هذه. فعرف نعيمان، وجاءه، وأخبره أنه سيدله على نعيمان، وذهب به إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه "وهو يصلي"، فقال: دونك الرجل، فجمع يديه في العصا، ثم ضربه، فقال الناس: أمير المؤمنين! فقال: من قادني؟ قالوا: نعيمان. قال: لا أعود إلى نعيمان أبدًا.

                                           
ads
ads
ads