رئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد علي
ads

وفاة الأديب الكبير صنع الله إبراهيم بعد صراع مع المرض

الأربعاء 13/أغسطس/2025 - 12:10 م
الحياة اليوم
رشا ثابت
طباعة

رحل عن عالمنا اليوم الأربعاء، الروائي والقاص الكبير صنع الله إبراهيم، بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز الـ88 عامًا، وحياة حافلة بالمؤلفات الإبداعية.

بقى اسم صنع الله إبراهيم، حاضرًا بقوة في زحام المشهد الثقافي المصري والعربي، لا بوصفه مبدع قضى ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن في رحاب الكتابة بل شاهدًا على التاريخ، ومقاومًا شرسًا ضد كل ما يتعارض مع حرية الفكر والضمير.

صنع الله إبراهيم المولود في القاهرة عام 1937، هو واحد من أولئك القلائل الذين اختاروا أن يكونوا صوتًا للناس لا صوتًا عليهم، فدفع ثمن اختياراته الشخصية والفكرية، سجنًا وعزلة وتهميشًا أحيانًا، واحترامًا ومكانة رفيعة أحيانًا أخرى.

كان لوالده أثرٌ كبير على شخصيته؛ فقد زوَّده بالكتب والقصص وحثَّه على الاطِّلاع، فبدأت شخصيتُه الأدبية في التكوين منذ الصِّغَر، ثم تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة.

نشأ «صنع الله»، في زمن مضطرب سياسيًا وثقافيًا، حيث كان شاهدًا على لحظة أفول الاستعمار وبزوغ الدولة الوطنية، ثم على انكسار الحلم القومي بعد هزيمة 1967. هذه التحولات صنعت وعيه، ووجدت طريقها إلى كتاباته التي مزجت بين التوثيق والخيال، وبين الوقائع والتمرد.

انتمى للمُنظَّمة الشيوعية المصرية «حدتو»، واعتُقِل عام 1959، ضمن الحملة التي شنَّها الرئيس جمال عبد الناصر، ضد اليساريِّين المصريِّين، وقبع في السجن حتى عام 1964.

لم يكن صنع الله إبراهيم مجرد روائي؛ كان أيضًا مثقفًا ناقدًا للمؤسسة الثقافية الرسمية، يرى أن كثيرًا من جوائزها ومهرجاناتها تخضع للحسابات السياسية، لا للقيم الإبداعية، وهو ما دفعه مرارًا لانتقاد الواقع الثقافي العربي.

ورفض في عام 2003، تسلم جائزة «ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي»، احتجاجًا على الوضع السياسي العام في مصر، قائلًا خلال كلمته بالجلسة الختامية للملتقى: « أعلن اعتذاري عن عدم قبول الجائزة لأنها صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد وتسمح للسفير الإسرائيلي بالبقاء في مصر، في حين أن إسرائيل تقتل وتغتصب».

وكتب صنع الله إبراهيم في كلمة وزعها على المجتمعين في ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي، «هذه اللحظة التي نجتمع فيها هنا تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وتقتل النساء الحوامل والأطفال وتشرد الآلاف وتنفذ بدقة منهجية واضحة إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، لكن العواصم العربية تستقبل زعماء إسرائيل بالأحضان، وعلى بعد خطوات من هنا يقيم السفير الإسرائيلي في طمأنينة، وعلى بعد خطوات أخرى يحتل السفير الأميركي حيا بأكمله بينما ينتشر جنوده في كل ركن من أركان الوطن الذي كان عربيا».

وأضاف «لا يراودني شك في أن كل مصري هنا يدرك حجم الكارثة المحيقة بوطننا، وهي لا تقتصر على التهديد العسكري الإسرائيلي الفعلي لحدودنا الشرقية ولا على الإملاءات الأميركية وعلى العجز الذي يتبدى في سياسة حكومتنا الخارجية وإنما تمتد إلى كل مناحي حياتنا».

واستطرد صنع الله قائلا «لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم، لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب، لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل، تفشى الفساد والنهب، ومن يعترض يتعرض للامتهان وللضرب والتعذيب. وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت، لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته».

 

 

ما يميز مشروع صنع الله إبراهيم، كروائي صاحب الإبداعى متكامل، هو الكتابة وفقًا لما يُعرف بـ"أدب التوثيق"، حيث يمزج بين البناء الروائي التقليدي، والمواد الأرشيفية والتقارير السياسية، ليخلق نصوصًا فريدة تُحاكي الواقع وتحاكمه.

 

يملك صُنع الله إبراهيم، رصيدًا غنيًا من الأعمال التي شكلت علامات في تاريخ الأدب العربي المعاصر، ومن أبرزها: «ذات، شرف، نجمة أغسطس، وردة، اللجنة، أمريكانلي، بيروت بيروت، الخلاليا، يوميات الواحة، الجليد، والنيل مآسي » وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة متميزة في عالم الأدب.

 

وبرغم رحيله يظل صنع الله إبراهيم، بأعماله ومواقفه، رمزًا للأدب الملتزم الذي لا يخشى مواجهة السلطة وكشف عيوب المجتمع، ويستمر صوته في الرنين كدعوة دائمة للتفكير النقدي والمساءلة، مُلهمًا الأجيال القادمة لقراءة التاريخ بعين مفتوحة على المستقبل.

 

نال صنع الله إبراهيم خلال حياته العديد من الجوائز العربية المهمة، منها: "جائزة ابن رشد للفكر الحر" عام 2004، و"جائزة كفافيس للأدب" عام 2017.

                                           
ads
ads
ads