رئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد علي
ads

الأخلاق الرياضية سر صناعة جيل واعٍ داخل الملاعب وخارجها

السبت 20/سبتمبر/2025 - 08:36 ص
الحياة اليوم
محمود السعدي
طباعة

في وقت باتت فيه كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم، لم تعد الملاعب مجرد مساحات للتنافس على تسجيل الأهداف، بل تحولت إلى مدارس تربوية تعكس قيم التعاون، الانضباط، تقبّل الخسارة، والاحترام المتبادل.

 لكن في المقابل، يظل خطر التعصب الرياضي حاضرًا، إذ يحوّل متعة اللعبة إلى ساحة صراع، ويبدّد الرسالة التربوية التي يجب أن تترسخ في عقول الناشئين منذ الصغر.

ويؤكد خبراء التربية الرياضية أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المدربين وأولياء الأمور، حيث يمثلون القدوة الأولى أمام اللاعبين الصغار، ويملكون القدرة على غرس الأخلاق الرياضية كجزء من السلوك اليومي للاعبين، سواء داخل الملعب أو خارجه.

المدرب ليس مجرد ناقل للخطط الفنية أو التكتيكية، بل هو نموذج سلوكي يقتدي به اللاعبون في كل تفاصيل حياتهم الرياضية. وتشير الدراسات إلى أن 70% من سلوكيات اللاعب الصغير تتأثر بما يراه من مدربه، سواء في أسلوب التواصل أو طريقة التعامل مع المواقف الصعبة.

أبرز أدوار المدرب في ترسيخ الأخلاق الرياضية:

  1. القدوة العملية: التزام المدرب بالهدوء وتجنب الصراخ أو الاعتراض العنيف على قرارات الحكام، ليكون نموذجًا أمام لاعبيه في كيفية احترام القوانين.
  2. التعليم بالموقف: استغلال أي خطأ أو انفعال من أحد اللاعبين لتحويله إلى درس عملي في ضبط النفس والتحكم في الأعصاب.
  3. غرس ثقافة الاحترام: تشجيع اللاعبين على المصافحة قبل وبعد المباريات، والتأكيد على أن احترام المنافس واجب مهما كانت نتيجة المباراة.
  4. المساواة بين السلوك والمهارة: مكافأة اللاعب الملتزم أخلاقيًا بنفس الدرجة التي يُكافأ بها اللاعب المتميز فنيًا.
  5. الاستعانة بنماذج ملهمة: ذكر أمثلة من نجوم عالميين مثل أندريس إنييستا أو محمد صلاح، الذين عُرفوا بالروح الرياضية بجانب مهاراتهم.

دور الوالدين لا يقل أهمية عن دور المدرب، بل ربما يكون أكثر تأثيرًا، لأن ما يراه الطفل في البيت أو من والديه في المدرجات يرسخ في ذهنه بشكل أعمق من أي تعليمات تدريبية.

دور أولياء الأمور في غرس الأخلاق الرياضية:

  1. التشجيع الإيجابي: مساندة الطفل بالتصفيق والتحفيز بدلًا من النقد القاسي أو إظهار الغضب عند الأخطاء.
  2. قبول الخسارة: تعليم الأبناء أن الهزيمة جزء طبيعي من الرياضة وفرصة لتحسين الأداء، لا وصمة يجب الخجل منها.
  3. ضبط الانفعالات: الامتناع عن الانفعال ضد الحكام أو الخصوم أمام الأبناء، حتى لا يقتدي اللاعب الصغير بهذه السلوكيات السلبية.
  4. تعزيز القيم: التأكيد المستمر على أن الأخلاق والالتزام أهم بكثير من تسجيل هدف أو تحقيق بطولة.
  5. الفصل بين الرياضة والعاطفة: عدم ربط حب الوالدين للطفل بمدى نجاحه في المباريات، حتى لا يشعر أن قيمته مرتبطة فقط بالنتائج.

إلى جانب الدور التربوي للمدربين والأهالي، هناك مجموعة من الوسائل العملية التي تساعد على بناء جيل يتمتع بالروح الرياضية ويبتعد عن التعصب، أبرزها:

  • تنظيم ورش عمل قصيرة مع اللاعبين حول مفهوم الروح الرياضية وأهمية الاحترام.
  • اختيار شعارات ملهمة للفريق مثل: "اللعب النظيف دائمًا" أو "الاحترام أولًا".
  • تنفيذ أنشطة جماعية خارج الملاعب، مثل الرحلات والألعاب التعاونية، لترسيخ التعاون وروح الفريق.
  • إعداد ميثاق سلوك رياضي يوقع عليه اللاعبون وأولياء الأمور والمدرب معًا، ليكون التزامًا جماعيًا.

قد يرى البعض أن الفوز هو الهدف الأول من ممارسة الرياضة، لكن الحقيقة أن الرياضة أكبر من النتيجة. فالمهارات قد تصنع لاعبًا جيدًا، لكن الأخلاق الرياضية هي التي تصنع نجمًا يحظى بالاحترام والإعجاب.

التعصب لا يبني لاعبًا محترفًا، بل يدمر القيم الحقيقية للرياضة. على العكس، فإن الالتزام بالأخلاق والروح الرياضية يضمن أن يخرج من الملاعب جيل يحترم نفسه ويحترم منافسه، ويعي أن كرة القدم ليست ساحة صراع، بل لعبة ممتعة تحمل رسائل تربوية وإنسانية.

يتفق خبراء التربية على أن نجاح أي منظومة لتعليم القيم الرياضية يتطلب توازنًا بين دور المدرب والأسرة. فالمدرب يزرع السلوك في الملعب، بينما تغذيه الأسرة وتدعمه في البيت. واللاعب بدوره يعكس ما تعلمه على أرض الواقع، ليكون مرآة للقيم التي اكتسبها.

ختامًا، تبقى الحقيقة أن صناعة لاعب كرة قدم ناجح تبدأ من صناعة إنسان سوي، يتعلم منذ الصغر كيف يحترم نفسه والآخرين، ويعرف أن النجاح لا يُقاس فقط بالألقاب والأهداف، وإنما بمدى الالتزام بالقيم التي تُزين مسيرته الرياضية.

فالمدرب قدوة ، والوالدان داعمان واللاعب مرآة لما يتعلم ،مع هذا التكامل، نستطيع أن نصنع جيلًا يلعب الكرة بروح وأخلاق قبل أن يلعبها بمهارة، ليكون مصدر فخر لمستقبله ولناديه ولوطنه. 

                                           
ads
ads
ads