لماذا تتجنب الطائرات العواصف الرعدية؟
تُعد العواصف الرعدية واحدة من أكثر الظواهر الجوية التي يتعامل معها الطيران المدني بحذر شديد. ورغم أن الطائرات الحديثة مصممة لتتحمل ظروفًا جوية قاسية، إلا أن الاقتراب من هذه العواصف يشكل خطرًا حقيقيًا على سلامة الرحلة، ليس فقط بسبب الاضطرابات الجوية كما هو شائع، ولكن بسبب مجموعة من العوامل العلمية والملاحية والميكانيكية المعقدة التي تجعل الطيارين وشركات الطيران يتجنبون هذه السحب الضخمة لمسافات تصل إلى 20 ميلاً (32 كم) على الأقل.
في هذا التقرير، نستعرض السبب العلمي وراء هذا الإجراء، وكيف تتم إدارة الرحلة لتجنب المخاطر، ولماذا تُعد السلامة الجوية عنصرًا لا يقبل المساومة في عالم الطيران.
1. اضطرابات جوية عنيفة تهدد استقرار الطائرة
العاصفة الرعدية هي نظام طاقة هائل، يتكون من تيارات هوائية صاعدة بقوة وتيارات هابطة بسرعات ضخمة. وعند مرور الطائرة داخل هذه المنطقة، يمكن أن تتعرض لاهتزازات شديدة تتسبب في:
- فقدان السيطرة المؤقتة على الطائرة.
- إصابات للركاب نتيجة الاصطدام بالسقف أو المقاعد.
- ضغط شديد على هيكل الطائرة يفوق الحدود التصميمية.
لهذا، يتجنب الطيارون دخول هذه السحب تمامًا، ولا يكتفون بالتحليق فوقها إلا إذا كانت مرتفعة إلى مستوى آمن.
2. الصواعق الكهربائية وتأثيرها على الأنظمة الإلكترونية
على الرغم من أن الطائرات قادرة على تحمل ضربات البرق – فهي مصممة بمواد تشتت الشحنة حول الهيكل – إلا أن المشكلة لا تكمن في الضرر الهيكلي فقط. فقد تؤدي الصاعقة إلى:
- تشويش على أنظمة الملاحة والاتصال.
- إضاءة قوية مفاجئة تسبب تشويشًا بصريًا للطيارين.
- تجمد مؤقت لبعض وحدات الإرشاد الإلكتروني.
ورغم نُدرة وقوع حوادث بسبب الصواعق، إلا أنها تشكل جزءًا مهمًا من حسابات السلامة.
3. البَرَد: خطر غير مرئي عند قمم السحب
تُولد العواصف الرعدية تراكمات ضخمة من البرد، وقد يصل حجم حباته إلى حجم كرة الغولف أو أكبر. وعندما تصطدم هذه الحبات بالطائرة، قد ينتج عنها:
- تدمير الزجاج الأمامي.
- خدوش وانبعاجات خطيرة على البدن والأجنحة.
- تلف في مراوح المحرك أو أجهزة الاستشعار الخارجية.
وقد سُجّلت حالات اضطرت فيها طائرات للهبوط الاضطراري بعد فقدان مقدمة الطائرة شكلها تمامًا بسبب البرد.
4. القصّ الهوائي والانفجارات الريحية (Microbursts)
يُعد القص الهوائي أحد أخطر الظواهر الجوية على الإطلاق، خصوصًا في مرحلة الإقلاع والهبوط. يمكن للرياح أن تتغير فجأة من اتجاه وسرعة إلى أخرى معاكسة، ما يؤدي إلى:
- فقدان الرفع أثناء الإقلاع.
- هبوط مفاجئ للطائرة دون قدرة على التصحيح.
ولهذا تُعد أنظمة رصد الرياح في المطارات عنصرًا حيويًا للسلامة.
5. التجمّد الجوي على الأجنحة والأسطح الهوائية
توجد داخل العواصف قطرات ماء فائقة البرودة تتجمد فور ملامسة الطائرة، مما يؤدي إلى:
- زيادة وزن الطائرة.
- فقدان كفاءة الأجنحة في إنتاج الرفع.
- تلف حساسات السرعة والارتفاع.
ورغم وجود أنظمة لإزالة الجليد، إلا أن الوقاية أفضل من العلاج في هذا المجال.
6. ضعف الرؤية والاعتماد الكامل على الأجهزة
كثافة الغيوم والأمطار داخل العاصفة تجعل الطيران البصري مستحيلًا، ويضطر الطيار إلى الاعتماد الكلي على:
- أجهزة الطيار الآلي
- أنظمة تحديد الارتفاع
- رادارات الطقس
- تعليمات مراقبة الحركة الجوية
والاعتماد 100% على الأجهزة في منطقة اضطرابات يرفع هامش الخطأ بشكل كبير.
كيف تتجنب شركات الطيران العواصف؟
اليوم، يمتلك الطيارون:
- رادارات جوية متطورة ترصد العواصف بدقة.
- صور أقمار صناعية لحركة السحب.
- معلومات من مراكز الأرصاد الجوية للطيران.
ويتم تعديل المسار جويًا بشكل لحظي لضمان أفضل مسافة أمان.
تدريب مستمر للطيارين
يخضع الطيارون لتدريب محاكاة خاص للتعامل مع:
- اضطرابات شديدة
- فقدان الرفع المفاجئ
- الفيضانات المطارية
- الصواعق
وتُكرر هذه السيناريوهات بشكل دوري كجزء من شهادات الترخيص المستمرة.
العواصف الرعدية ليست مجرد اضطرابات، بل هي نظام جوي معقد قادر على التأثير على الهيكل والديناميكا الهوائية والملاحة والرؤية. لذلك يبتعد الطيارون عنها بمسافة أمان كبيرة حفاظًا على سلامة الجميع.