ماكرون بين سقوط الحكومة وحل البرلمان

دخلت فرنسا مرحلة جديدة من الارتباك السياسي بعد إعلان رئيس الوزراء، فرانسوا بايرو، عزمه طلب تصويت بالثقة في الجمعية الوطنية في 8 سبتمبر المقبل. خطوة وُصفت بالمفاجئة وأثارت جدلاً واسعاً، حيث فتحت الباب أمام تساؤلات دستورية وسياسية حول قدرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إدارة الأزمة، وما إذا كان سيجد نفسه مضطراً للجوء إلى سلاح حل البرلمان، رغم القيود الدستورية والاعتبارات السياسية المعقدة.
وقالت محطة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية إن المشهد السياسي في باريس دخل مرحلة جديدة من الارتباك، بعد إعلان رئيس الوزراء فرانسوا بايرو عزمه على طلب تصويت بالثقة في الجمعية الوطنية في 8 سبتمبر المقبل، في خطوة وُصفت بالمفاجئة والمثيرة للجدل.
وأضافت المحطة أن هذه المبادرة تفتح الباب أمام احتمالات متعددة، أبرزها إمكانية لجوء الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حل جديد للجمعية الوطنية، رغم أنه أكد في مقابلة سابقة أنه لا ينوي استخدام هذا السلاح الدستوري مجددًا بعد أن فعّله في أعقاب الانتخابات الأوروبية قبل أكثر من عام.
وأوضحت القناة أن المعارضة بمختلف أطيافها تستعد للتصويت ضد بايرو، وهو ما قد يُسقط الحكومة ويدفع بالبلاد إلى أزمة مؤسساتية جديدة. ورغم أن حل البرلمان ليس خيارًا مطروحًا رسميًا من جانب ماكرون، إلا أن مقربين منه أكدوا للقناة أن الرئيس "لن يحرم نفسه مسبقًا من حق دستوري يملكه"، في حال رأى أن التطورات السياسية تفرض عليه ذلك.
من جانبه، لم يستبعد بايرو نفسه هذا الاحتمال، إذ قال أمام ممثلي الكتلة الداعمة للحكومة في اجتماع بقصر رئاسة الوزراء الفرنسية "ماتينيون": "الرئيس لا يرغب في حل الجمعية الوطنية (البرلمان)، لكن هذا الاحتمال يبقى قائمًا". كما ذهب وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو في الاتجاه ذاته، معتبرًا أن "الحل يكلف فرنسا كثيرًا، لكنه لا يمكن استبعاده".
ومساء الأربعاء، خاض رئيس الوزراء، فرانسوا بايرو، تمرينًا دقيقًا ومتوازنًا حول موازنة 2026، في محاولة لإقناع قوى المعارضة بعدم إسقاط الحكومة خلال تصويت الثقة المقرر في 8 سبتمبر داخل الجمعية الوطنية. غير أن أدائه التلفزيوني أثار موجة قوية من ردود الفعل السياسية، تميزت بالانتقادات الحادة، حيث وُصف بـ"المتعنت"، و"المستهتر"، وحتى بأنه "يخيف ويكذب".
أما خبراء القانون الدستوري، فقد انقسموا بشأن جدوى خطوة كهذه، فقد رأى أستاذ القانون الدستوري الفرنسي ديدييه موس أن "سقوط رئيس الوزراء مبرر منطقي لحل الجمعية، فهذا منطق النظام البرلماني"، لكنه شدد على أن الرئيس "غير ملزم دستوريًا" بذلك.
ولفت الخبير الدستوري إلى أنه على الصعيد القانوني، لا يملك الرئيس الفرنسي حق حلّ الجمعية الوطنية (البرلمان) إلا بعد مرور عام كامل على آخر عملية حل، وذلك وفقًا لأحكام المادة 12 من الدستور الفرنسي لعام 1958، موضحًا أنه "بما أن الرئيس إيمانويل ماكرون لجأ إلى هذا الحق بعد الانتخابات الأوروبية الماضية، فإن أي خطوة مماثلة قبل انقضاء المهلة القانونية ستُعدّ مخالفة صريحة للدستور".
ووفقًا للخبير الدستوري، يمنع الدستور الفرنسي حل البرلمان مجددًا خلال سنة واحدة من تاريخ آخر حل، أي أن الرئيس لا يمكنه استخدام هذه الصلاحية مرتين خلال سنة واحدة، ويتوجب إجراء الانتخابات التشريعية خلال فترة تتراوح بين 20 و40 يومًا بعد إعلان الحل".
وتابع: "عمليًا، فإن السيناريو الأقرب – في حال سقوط حكومة فرانسوا بايرو عبر تصويت حجب الثقة – سيكون تعيين رئيس وزراء جديد قادر على بناء توافق برلماني، بدلاً من الذهاب مباشرة إلى حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة".
بينما اعتبرت الخبيرة القانونية آن-شارلين بيزينا أن اللجوء إلى الحل في هذا التوقيت معقّد للغاية، خصوصًا أنه سيأتي قبل أسابيع قليلة من الانتخابات البلدية المقررة في مارس 2025، مما سيضاعف حالة الغموض السياسي.
وأضافت "بي.إف.إم" أن أي انتخابات تشريعية مبكرة لن تضمن لماكرون وحكومته خروجًا أفضل مما هم عليه الآن.
ووفقًا لاستطلاع أجراه معهد "إيلاب" الفرنسي، لصالح قناة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية، في يونيو الماضي، ستتصدر التجمع الوطني وحلفاؤه (يمين متطرف) بقيادة إريك سيوتي المشهد بنسبة 32.5% من نوايا التصويت، بينما سيأتي اليسار الموحد بـ21%، في حين لن يحصد المعسكر الرئاسي سوى 15.5%، والحزب الجمهوري (يمين) 10%.
وهي أرقام تكشف أن الخريطة السياسية الجديدة قد لا تختلف كثيرًا عن تلك التي أفرزتها انتخابات 2024، عندما فشل اليمين المتطرف في الحصول على أغلبية مطلقة بسبب تحالف "الجبهة الجمهورية" ضده.