الصين تكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الطيران العالمي

في إنجاز عالمي جديد يُضاف إلى سجل الصين في صناعة الطيران، نجحت شركة شيامن إير (Xiamen Air) في تحقيق رقم قياسي عالمي بتشغيل أطول رحلة جوية تجارية بدون توقف في العالم، لتُزيح بذلك الخطوط الجوية السنغافورية (Singapore Airlines) عن عرش الرحلات فائقة الطول.
الرحلة الجديدة تربط بين نيويورك (JFK) ومدينة فوتشو (Fuzhou) الصينية، وتستغرق 19 ساعة و20 دقيقة من الطيران المتواصل عبر طائرة بوينغ 787-9 دريملاينر (Boeing 787-9 Dreamliner).

بهذا الإنجاز، تصبح الصين رسميًا صاحبة أطول خط طيران ركاب مباشر في العالم، في خطوة تؤكد طموحها الكبير نحو الريادة في مجال النقل الجوي الدولي.

الرحلة التي تحمل الرمز MF849 من نيويورك إلى فوتشو، تُعد واحدة من أكثر الرحلات تحديًا في العالم من حيث المدة والمسافة والظروف الجوية.
وتقطع الطائرة أكثر من 15,000 كيلومتر في رحلتها عبر شمال المحيط الهادئ، مرورًا فوق مناطق متقلبة مناخيًا قبل دخول الأجواء الصينية.

إعادة تشغيل هذا الخط الجوي تمّت في عام 2024، لكن مع تعديل المسار الجوي لتفادي المرور فوق المجال الجوي الروسي، وهو ما جعل المسافة أطول بعدة مئات من الكيلومترات، ليُكسر الرقم القياسي السابق الذي كانت تحتفظ به الخطوط السنغافورية على خط نيويورك – سنغافورة (18 ساعة و55 دقيقة).

الطائرة المستخدمة في الرحلة، بوينغ 787-9 دريملاينر، تمثل أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الطيران من كفاءة في استهلاك الوقود وراحة الركاب.
إذ توفر نظام ضغط هواء محسن يقلل من إجهاد المسافرين خلال الرحلات الطويلة، بالإضافة إلى إضاءة ذكية تقلل اضطراب الساعة البيولوجية.

أما من الناحية التشغيلية، فقد تم التخطيط للمسار بعناية فائقة ليتجنب مناطق الطقس القاسي والمجالات الجوية المحظورة، مع الحفاظ على أعلى معايير السلامة والوقود الاحتياطي، مما جعل الرحلة تحفة هندسية وملاحية حقيقية في عالم الطيران الحديث.

هذه المقارنة توضح أن الرحلة الصينية الجديدة تجاوزت منافسيها جميعًا من حيث المدة الزمنية والمسافة المقطوعة، لتصبح الرحلة التجارية الأطول في تاريخ الطيران المدني الحديث.

تشير بيانات شركة شيامن إير إلى أن الطلب على هذه الرحلة في ازدياد ملحوظ، حيث يسافر سنويًا أكثر من 160 ألف راكب بين المدينتين، مدفوعين بالعلاقات العائلية والتجارية والثقافية بين الجانبين.
وتعتبر منطقة “ليتل فوتشو” في نيويورك موطنًا لجالية صينية كبيرة، ما يجعل الخط الجوي بين المدينتين جسرًا إنسانيًا واقتصاديًا مهمًا يربط الشرق بالغرب.

الرحلة توفر خيارات متعددة من المقاعد الفاخرة والدرجة السياحية الممتازة، بالإضافة إلى وجبات مستوحاة من المطبخ الآسيوي وتجهيزات ترفيهية حديثة، ما يجعلها تجربة فريدة رغم طول المدة.

تؤكد هذه الرحلة مجددًا أن السياسة والجغرافيا تلعبان دورًا جوهريًا في رسم خريطة الطيران الدولي.
فاضطرار شركات الطيران إلى تجنب المجال الجوي الروسي بعد الأزمة الأوكرانية، أجبر العديد من الرحلات العابرة للقارات على اتخاذ مسارات أطول وأكثر تكلفة.

لكن شيامن إير استطاعت تحويل هذا التحدي إلى فرصة للتميز، من خلال تشغيل أطول مسار آمن في العالم بكفاءة عالية، ما يعكس خبرتها التشغيلية وقدرتها على التكيف مع المتغيرات الدولية.

رحلة نيويورك – فوتشو ليست مجرد رقم قياسي، بل هي رمز لطموح الصين المتصاعد في مجال الطيران المدني.
فمن خلال الاستثمار في أسطول حديث وتطوير مطارات عالمية المستوى، تسعى الصين إلى أن تكون مركزًا رئيسيًا لحركة الطيران الدولية بحلول عام 2030.

وتعمل شركاتها الكبرى مثل China Southern وAir China وXiamen Air على تعزيز مكانة البلاد كمحور عالمي للطيران، ينافس كبرى الشركات في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.

من الواضح أن إنجاز شيامن إير ليس مجرد خبر عابر في عالم الطيران، بل حدث استراتيجي يغير مفاهيم السفر الطويل المدى.
لقد أثبتت الشركة أن الطموح الصيني لا يعرف حدودًا، وأن السماء ليست سوى بداية الرحلة نحو التفوق العالمي.

وفي وقتٍ تتسابق فيه شركات الطيران الكبرى على تقديم الأفضل، يبدو أن اللقب الجديد “أطول رحلة جوية في العالم” سيبقى علامة فارقة تحمل توقيع “صنع في الصين”.