مطار لوكلا.. أخطر مطار في العالم حيث لا مجال للخطأ

يُعد مطار لوكلا (Tenzing–Hillary Airport) في نيبال واحدًا من أكثر المطارات إثارة وخطورة على وجه الأرض، حتى أصبح يُعرف بين الطيارين باسم “المدرج الذي لا يرحم”، نظرًا لما يواجهه الطيارون من تحديات استثنائية أثناء الإقلاع أو الهبوط على مدرجه القصير والمائل الذي يطل على منحدر جبلي شاهق.

يقع المطار على ارتفاع نحو 2,860 مترًا فوق سطح البحر في منطقة خومبو (Khumbu) الجبلية، وهي بوابة المتسلقين إلى قمة جبل إيفرست، أعلى قمة في العالم. ورغم صغر حجمه وبساطة تجهيزاته، إلا أنه يمثل شريان الحياة الرئيسي لسكان المنطقة والسياح القادمين لاستكشاف جبال الهملايا المهيبة.

تصميم المطار… مدرج بطول 527 مترًا فقط!

يتميز مدرج مطار لوكلا بقصر طوله الشديد، حيث لا يتجاوز 527 مترًا فقط، أي أقل من ربع طول مدرج مطار دولي عادي، كما أنه يميل بانحدار حاد يصل إلى 11.75٪ لمساعدة الطائرات على التوقف بسرعة أثناء الهبوط أو اكتساب سرعة إضافية عند الإقلاع.

وعلى أحد طرفي المدرج يقف جدار جبلي عملاق، بينما ينتهي الطرف الآخر بمنحدر سحيق نحو وادٍ عميق، ما يجعل أي خطأ في حساب السرعة أو زاوية الهبوط قاتلًا. لهذا السبب، لا يُسمح بالهبوط أو الإقلاع من لوكلا إلا لأكثر الطيارين خبرة في الطيران الجبلي.

تحديات الطقس… ضباب ورياح قاتلة!

الظروف الجوية في مطار لوكلا تُعد من أصعب ما يمكن أن يواجهه أي طيار في العالم. فالموقع المرتفع والجبال المحيطة تجعل الطقس متقلبًا بشكل مفاجئ، إذ يمكن أن ينتقل من صفاء كامل إلى ضباب كثيف ورياح عاتية خلال دقائق معدودة.

كثيرًا ما يُغلق المطار لأيام متتالية بسبب السحب المنخفضة أو ضعف الرؤية الأفقية، كما تتأثر أجهزة الملاحة بسبب التضاريس الصعبة، ولهذا، فإن الهبوط في مطار لوكلا يعتمد بدرجة كبيرة على الرؤية البصرية (Visual Landing) وليس على الأجهزة الإلكترونية، ما يزيد من درجة الخطورة.

 تاريخ المطار… فكرة المستكشف إدموند هيلاري

تعود فكرة إنشاء مطار لوكلا إلى عام 1964 عندما قرر المستكشف الشهير السير إدموند هيلاري – أول من صعد قمة إيفرست – بناء مهبط صغير للطائرات لتسهيل وصول الإمدادات والسياح إلى منطقة خومبو.

قام هيلاري بشراء الأرض من السكان المحليين، وبمساعدة شركائه تنزينغ نورغاي (Tenzing Norgay) وبعض القرويين، تم شق المدرج في قلب الجبال. وفي عام 2008، تم إطلاق الاسم الرسمي للمطار: Tenzing–Hillary Airport، تكريمًا للرجلين اللذين ساهما في جعله حقيقة.

 حوادث مأساوية في مطار لوكلا

رغم مكانته السياحية، فإن مطار لوكلا شهد عددًا من الحوادث الجوية المؤسفة على مدار تاريخه.
من أبرزها حادثة طائرة Yeti Airlines Flight 101 عام 2008، حين تحطمت الطائرة أثناء محاولة الهبوط وسط ضباب كثيف وضعف في الرؤية، ما أدى إلى وفاة معظم الركاب على متنها.

كما وقعت حوادث أخرى بسبب فقدان السيطرة عند الإقلاع أو تجاوز المدرج القصير، وهو ما دفع السلطات النيبالية إلى فرض إجراءات صارمة تشمل تحديد عدد الرحلات اليومية وتدريب خاص للطيارين العاملين في المطار.

 أهمية المطار لسكان نيبال والسياح

على الرغم من خطورته، فإن مطار لوكلا يظل شريانًا حيويًا لسكان المنطقة الجبلية، إذ يُعد الوسيلة الأسرع لنقل البضائع والمواد الغذائية والمستلزمات الطبية إلى خومبو والمناطق المجاورة.

كما أنه البوابة الأساسية لعشرات آلاف المتسلقين والمغامرين الذين يقصدون نيبال سنويًا لمحاولة تسلق جبل إيفرست، حيث تبدأ معظم الرحلات من كاتماندو إلى لوكلا، ثم يتجه المتسلقون سيرًا على الأقدام نحو قاعدة الجبل.

هل يمكن اعتبار لوكلا أخطر مطار في العالم؟

وفقًا لتقارير منظمة الطيران المدني النيبالية (CAAN)، يُعتبر مطار لوكلا رسميًا أخطر مطار مدني في العالم بسبب مزيج العوامل:

• قصر المدرج وانحداره الحاد.
• تقلبات الطقس المفاجئة.
• الموقع الجبلي المحاط بالمرتفعات الشاهقة.
• محدودية أجهزة الملاحة الجوية.

ورغم تلك الصعوبات، فإن المطار ما يزال يعمل بكفاءة ملحوظة بفضل الطيارين المهرة الذين يخوضون هذه التجربة الصعبة يوميًا، وسط إجراءات أمان صارمة تشمل الفحص الدقيق للطائرات قبل الإقلاع والتدريب المتخصص للطواقم الجوية.

هذا ويبقى مطار لوكلا رمزًا للمغامرة والإصرار البشري، وموقعًا يُجسد مدى قدرة الإنسان على تحدي الطبيعة لتحقيق التواصل حتى في أقسى الظروف.