رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد همودى
ads

ليس النضال بالسلاح فقط

الإثنين 07/سبتمبر/2020 - 09:02 م
كوبري سالا بالإسماعيلية
كوبري سالا بالإسماعيلية عام 1951
محمد العايدي
طباعة

وكما عودتكم "الحياة اليوم".. نأتي لكم بحلقة جديدة من سلسلة ذكريات مؤرخ الإسماعيلية جلال عبده هاشم وموعدنا اليوم عن الحديث عن فترة هامة في تاريخ الإسماعيلية وهي الفترة من 1951 حتى 1952 وتاريخ كفاح شعب الإسماعيلية ضد الاحتلال.

ليس كل من حمل سلاح مناضل وليس النضال بالسلاح والقتل فقط، فالنضال له عدة أساليب لا يتسم بها إلا أصحاب الحق والعدل والقضية التي تعنيهم، لذلك فكل من سلب حقه وكل إنسان لا يملك القدرة والقوة والسلاح لاسترجاع هذا الحق، فهناك من الأساليب التي يفكر الإنسان في اتخاذها لمواجهة العدو الذي اعتدى عليه وسلب حقه؛ أسلوب الدهاء والفكر والعقلانية والذكاء؛ كيف انتقم من العدو؟ كيف أنال منه دون أن يسبب لي أضرار أو خسائر؟

كثير جداً من الأساليب التي يستطيع الإنسان ان يعدّها ويخلطها بالذكاء والفكر والابتكار، وبعد ذلك التنفيذ؛ كان هذا الأسلوب أحد أساليب شباب الإسماعيلية المناضل في أيام الاحتلال الإنجليزي للمنطقة خلال عام 1951 – 1952م، سنوات الكفاح المسلح والغير مسلح ضد الاستعمار الإنجليزي، كثير من أبناء الإسماعيلية المخلصين رفضوا الانصياع والخضوع للاحتلال، رفضوا أن يكون الآمر الناهي لوطنهم وشعبهم أجنبي مهما حاول إخضاع الشعب بقوة السلاح والإمكانات، حمل شباب الإسماعيلية السلاح؛ وكان السلاح الذي يحملونه لا يتساوى في إمكاناته أو تطوره مع ذلك الذي في يد الأعداء؛ ولكن برغم ذلك فإنهم استطاعوا أن ينالوا من أعدائهم حتى لو بأقل القليل من السلاح، ناضل شباب الفدائيين وقاتلوا الإنجليز على ألاض الإسماعيلية وفي معسكراتهم وخارجها، في الشوارع والميادين، جعلوا ليلهم نهاراً، سلبوا من أعينهم النوم لأيام متواصلة، اشعلوا الحرائق في مخازنهم ومعسكراتهم، أذاقوهم مرارة النضال والكفاح والدفاع عن أرض الوطن.

مجموعة أخرى لا تحمل السلاح ولكن تحمل الفكر والابتكار، وكان هذا السلاح أقوى من السلاح والرصاص، خطًّط شباب الفدائيين بعربة خشبية تحمل ثمار البرتقال الذي يشتاق إليه الجنود الإنجليز بعد امتناع تجار الإسماعيلية الأوفياء عن بيع الخضار والفاكهة لهم، يقتربوا بالعربة من كوبري سالا بشارع محمد علي، ويتفقوا على خطة بحيث يقترب الجنود الإنجليز من العربة التي تنفجر بعد لحظات، في حين يهرب الفدائيين المصريين دون إصابات، بعد أن يتسببوا في قتل وإصابة بعض جنود الاحتلال.

نوع آخر من النضال: البائعين للمواد الغذائية وكل ما يحتاجه العدو الإنجليزي من الأسواق المصرية امتنع الجميع في وقت واحد عن إمدادهم بأي شيء هم في حاجة إليه، امتنعوا برغم احتياجهم للمال ومتطلبات الحياة، إلا أن الوطن فوق الجميع، وكانت مبادئهم "نموت من الجوع ولا نتعاون معهم، نعيش في فقر ولكن رافعين الرأس والكرامة".

نوع آخر من النضال غير المسلح: قصة أربعة ضباط شرطة استطاعوا الهرب بعد معركة 25يناير 1952 بمبنى المحافظة والتي راح ضحيته حوالي ثمانين شهيد من جنود (بلوكات النظام)، استطاع هؤلاء الضباط الهروب دون أن يتم القبض عليهم بواسطة الجنود الإنجليز، ذهبوا إلى أحد معارفهم من تجار الإسماعيلية الأوفياء، طلبوا منه أن يمدهم بملابس مدنية يرتدونها ليغادروا الإسماعيلية والسفر إلى القاهرة لشرح الموقف بوزارة الداخلية. ولكن الخروج من الإسماعيلية صعب، والاستعماريين يحاصرون المداخل والمخارج للمحافظة؛ أخفاهم هذا التاجر في أحد المنازل بمنطقة عرايشية مصر بالإسماعيلية، وكان هذا المنزل يؤجره هذا التاجر لبعض الأسر الإنجليزية التي كانت تسكن المعسكرات، وكان هذا المنزل الذي لا يفكر الإنجليز في البحث فيه عن هؤلاء الضباط الأربعة – أخفاهم هذا التاجر بهذا المنزل لمدة يومان، وكان يومياً يرسل إليهم نجله محملاً بالمأكل ولوازم الحياة، حتى هدأت الظروف واستطاع أن يخرجهم خارج الإسماعيلية بسيارته الخاصة، دون أن يعرضهم لخطر القبض عليهم.

نضال وبطولات مختلفة قام بها شخصيات من الشعب المصري لا يعرف عنها أو عنهم أحد شيئاً، ولكن ما أذكره هنا جزء من ذكريات حدثت أمام عيني، وكان عمري وقتها إحدى عشر عاماً في ذلك الوقت، وأيضاً بكل فخر كان هذا التاجر المرحوم والدي – رحمه الله –، وكان بالإسماعيلية تجار وحرفيين ومواطنين شرفاء، جميعهم على قلب رجل واحد وهدف واحد من أجل وطن عزيز مكرم، يهون له كل شيء في سبيل الحرية والكرامة والعزة.. وكان هذا شعب مصر، وشباب مصر، والتاريخ لا يكذب، والوطنية لا تباع ولا تُشترى.              

                                           
ads
ads
ads