قلم رصاص.. "تتح" و"مستر جرين" فيمولوجيا الفن والعدل والحياة
إن محمد سعد هو الامتداد الطبيعى للفنان الكبير الراحل محمود شكوكو الذى أبدع لنا فيلم "عنتر وبلبل"، وكان من كلاسيكيات السينما المصرية التى عزَّزت فكرة مقاومة الاحتلال الإنجليزى . ولكن مع ذلك فإن محمد سعد فى فيلم "تَتَّح" يتجاوز "مستر جرين"؛ فقد كان عند "تَتَّح" الشجاعة ليلقى على الجمهور ما تشبه العظة، خاصة فى المشهد الذى يتصدى فيه لظاهرة زواج القاصرات من أثرياء عرب، وفى نفس الوقت يعيد محمد سعد إلقاء العظة عندما خاطب لواء الشرطة فى مشهد اقتحام البنك، وقال له "والله البلدى دى ماشية بالبركة"؛ وذلك ردًّا على جملة اللواء له بأنه لا يملك خطة لتحرير الرهائن داخل البنك، ثم يعيد العظة للواء مجددًا عندما يقول "أنا مش عايز حاجة من مصر، بس مصر عايزة منى إيه؟!".
لا يجب أن نخطئ محمد سعد كما يحلو لبعض النقاد وصف أفلامه بالسطحية والتفاهة بداية من سلسلة أفلام اللمبى وحتى فيلم حياتى مبهدلة. فى كل فيلم من أفلامه يلجأ محمد سعد للتقرب من الطبقات الشعبية، وينقل لهم العظة والدرس، ولكن بطريقة تبدو أسهل فى الفهم والمنطق. نذكر له عظة يلقيها أمام القاضى فى فيلم "بوحة" عندما يطالب القاضى بأن يبحث عن حل لأزمة المواطن الذى لا يجد لقمة العيش، وكأن بوحة الصباحى كان فى ذلك الوقت يحذر من ثورة فى الطريق، وهى الثورة التى حدثت بالفعل بعد ذلك.
لقد كنت أفكر على الدوام فى أن أكتب عن "تَتَّح" وعن محمد سعد ، وكنت أتوقع سخرية المثقفين أو أدعياء الثقافة وأدعياء النقد، فقررت أن أكتب فى عنوان مقالى عن "تَتَّح" وعن محمد سعد و"مستر جرين" مفردة أو أكثر مما يستخدمها المثقفون المزعومون؛ للدلالة على ثقافتهم الرفيعة، وهى مفردات لا يفهمها أحد، ولا يفهمها حتى من يكتبها، ولكن حتى يبدو الناقد مثقفًا وواعيًا؛ يجب أن يكتب ما لا يفهمه الناس، فقررت أن أحشر كلمة "فيمولوجيا" فى العنوان؛ حتى يبدو مقالى مثل مقال كبار المثقفين المزعومين وكبار النقاد، وهى فى حقيقة الأمر كلمة ليس لها أى معنى على الإطلاق، ولكنى وجدت أن شكلها لطيف، فقررت أن أخدعها به كل من يقرأ هذا المقال لأثبت له فى نهاية المطاف أن لغة "تَتَّح" ولغة "بوحة" وحتى لغة "اللمبى" هى التى سوف يفهمها الناس.