اقتصاد الظل على السوشيال ميديا
السبت 16/أغسطس/2025 - 12:55 م

مريهان حمدي
طباعة
قد تبدو لك ليلة صيفية عادية، في بث مباشر على تيك توك، يظهر شاب يرقص وتتساقط عليه هدايا افتراضية ملونة، ورود وتيجان، بل وحتى سيارات لامبورجيني رقمية. المشهد يبدو ترفيهيًا بريئًا، لكنه يخفي خلفه عملية معقدة يتم فيها غسيل الأموال بشكل سريع ومبتكر. إنها قصة اقتصاد الظل الذي ينمو في الخفاء على منصات التواصل الاجتماعي.
مع انتشار تطبيق تيك توك في مصر في منتصف عام 2020، بدأ المستخدمون يكتشفون خاصية الهدايا المدفوعة. كانت في البداية وسيلة ممتعة لدعم صناع المحتوى المفضلين لديهم، لكن سرعان ما استغلها آخرون بطريقة مختلفة تمامًا، فقد وجد تجار الأموال غير المشروعة في هذه الميزة فرصة ذهبية لتحويل أموالهم القذرة إلى أموال نظيفة يصعب تتبعها.
تتم هذه العملية على عدة مراحل متقنة. يبدأ شخص يمتلك أموالًا غير مشروعة، مصدرها تجارة محظورة أو عمليات نصب، بشراء كميات هائلة من عملة تيك توك الافتراضية (Coins). يستخدم هذا الشخص هويات وأجهزة متعددة لتجنب إثارة الشبهات. بعد ذلك، يقوم بإرسال هذه الهدايا إلى بث مباشر يملكه شريك له أو حساب تابع للعملية.
وفي النهاية، يسحب صاحب البث المباشر الأرباح من تيك توك كأموال "نظيفة" من خلال تحويلات بنكية رسمية أو عبر شركات التحويل المالي. والنتيجة النهائية هي أن الأموال مجهولة المصدر والمشبوهة تدخل النظام المالي الرسمي بشكل قانوني، دون أن تثير أي شكوك.
توجد عدة عوامل جعلت مصر مكانًا مثاليًا لازدهار هذا النوع من الجرائم الإلكترونية، ومنها ضعف الرقابة على المعاملات المالية الصغيرة التي تتم عبر الإنترنت، وصعوبة تتبع مصدر العملات الافتراضية ومستخدميها، إضافة إلى الانتشار الهائل لتطبيق تيك توك بين فئة الشباب والمراهقين.
لا يقتصر ضرر غسيل الأموال عبر منصات التواصل الاجتماعي على الاقتصاد الرسمي فقط، بل يتجاوزه ليخلق سوقًا سوداء موازية تفسد المنافسة الشريفة. كما أنه يغري الشباب بالبحث عن طرق سهلة وسريعة لتحقيق الأرباح دون جهد، ما يهدد بانهيار القيم المهنية والأخلاقية.
تتطلب مواجهة هذه الظاهرة تعاونًا مشتركًا وجهودًا حقيقية من جميع الأطراف، يجب فرض قيود أو سقف يومي لقيمة الهدايا الافتراضية التي يمكن إرسالها أو استلامها. كما يجب أن تتعاون البنوك وشركات الدفع الرقمي معًا لمراقبة العمليات المشبوهة.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إطلاق حملات توعية مكثفة للمستخدمين لتحذيرهم من خطورة المشاركة في هذه الدوائر غير القانونية. إن مكافحة غسيل الأموال عبر الإنترنت ليست مسؤولية الجهات الأمنية فقط، بل هي مسؤولية مجتمعية تتطلب تكاتف الجميع.