رئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد علي
ads

في 24 عامًا فقط.. الصين تبتلع حصة التجارة العالمية من أوروبا وأمريكا

السبت 08/نوفمبر/2025 - 12:45 م
الحياة اليوم
محمود السعدي
طباعة


شهد العالم خلال الفترة الممتدة من عام 2000 إلى 2024 تحولًا اقتصاديًا جذريًا، يمكن وصفه بأنه واحد من أكبر التغييرات في موازين القوة التجارية منذ الحرب العالمية الثانية، فقد انتقلت مراكز القوة التجارية العالمية تدريجيًا من الغرب، ممثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، إلى الشرق بقيادة الصين، التي استطاعت في أقل من ربع قرن إعادة تشكيل خريطة التجارة الدولية لصالحها.

في بداية الألفية، كانت أوروبا والولايات المتحدة تحكمان التبادل التجاري العالمي بصورة شبه مطلقة، حيث كانت معظم دول العالم تعتمد عليهما في الاستيراد والتصدير، سواء في السلع المصنعة أو المعدات الصناعية أو المنتجات ذات القيمة التقنية العالية.

ولقد كانت الصين حينها في بداية مسارها كدولة صناعية صاعدة، حيث شكلت حصتها من التجارة العالمية نسبة صغيرة نسبيًا، مقارنةً بالهيمنة الغربية التي تجسدت بوضوح على خرائط النفوذ التجاري لعام 2000.

لكن هذا المشهد تغيّر بشكل كامل تقريبًا بحلول عام 2024. ففي الخريطة الحديثة، نجد أن الصين لا تكتفي فقط بمنافسة أوروبا وأمريكا، بل تتفوق عليهما في كثير من المناطق، خاصة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث أصبحت الشريك التجاري الأول لأكثر من 120 دولة حول العالم

وقد ظهر هذا التحول بشكل مرئي على خرائط التجارة العالمية، حيث حلّ اللون الأحمر الذي يمثل التجارة الصينية مكان اللونين الأزرق الفاتح والداكن اللذين كانا يرمزان للنفوذ التجاري الأوروبي والأمريكي.

يمكن تلخيص العوامل الأساسية التي مكنت الصين من قيادة هذا التحول في ثلاثة محاور رئيسية:

1. مبادرة الحزام والطريق (BRI)

أطلقت الصين في عام 2013 مبادرة الحزام والطريق، التي تعد أكبر مشروع بنية تحتية وتجاري في التاريخ الحديث.
المبادرة شملت:

  • بناء طرق وموانئ وسكك حديد في عشرات الدول.
  • تمويل مشاريع تنموية هائلة في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.
  • توفير قروض وتسهيلات اقتصادية للبلدان النامية.

هذا النهج جعل العديد من الدول تربط اقتصادها وبنيتها اللوجستية مباشرة بالصين، ما أدى إلى زيادة الاعتماد عليها في التجارة والاستيراد.

2. التصنيع واسع النطاق وتوفر السلع منخفضة التكلفة

اعتمدت الصين على نموذج صناعي ضخم يقوم على:

  • العمالة الكبيرة ومنخفضة التكلفة.
  • تصنيع المنتجات على نطاق واسع.
  • تطوير قدرات تكنولوجية متقدمة بمرور الوقت.

وبذلك أصبحت الصين “مصنع العالم”، تقدم منتجات تتراوح من الإلكترونيات إلى المعدات الصناعية بأسعار أقل من مثيلاتها الغربية، مما جعلها الشريك التجاري المفضل للدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض.

3. تراجع القدرة التنافسية الأمريكية والأوروبية في الأسواق الناشئة

شهدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال العقدين الماضيين:

  • ارتفاع تكاليف الإنتاج.
  • تعقيدات تجارية وتشريعية داخلية.
  • تباطؤًا اقتصاديًا في بعض المراحل.
  • تركيزًا على التجارة الداخلية أكثر من التوسع الخارجي.

هذا التراجع النسبي سمح للصين بملء الفراغ التجاري بسرعة.

أصبح النفوذ التجاري الصيني اليوم أكثر انتشارًا وتنظيمًا واستدامة مما كان يتوقع خلال بداية الألفية. فالصين لم تعد فقط موردًا عالميًا للسلع منخفضة الثمن، بل أصبحت أيضًا:

  • مستثمرًا دوليًا ضخمًا
  • مزودًا رئيسيًا للتكنولوجيا
  • ممولًا أساسيًا للدول النامية
  • منافسًا مباشرًا للولايات المتحدة وأوروبا في الصناعات المتقدمة

بل إن بكين أصبحت الشريك التجاري الأول:

  • للدول الإفريقية
  • لأغلب دول آسيا
  • لمعظم دول أمريكا اللاتينية
  • ولعدد متزايد من دول الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية

هذا التوسع يعكس تحول مركز الثقل الاقتصادي العالمي من الغرب إلى الشرق، فيما يرى كثير من الخبراء أن هذا التحول ليس مؤقتًا بل هيكلي وطويل المدى.

إذا استمر هذا المسار كما هو، فإن السنوات القادمة ستشهد:

  • زيادة نفوذ الصين في المؤسسات الاقتصادية الدولية.
  • تعزيز دور اليوان الصيني في التجارة العالمية.
  • تراجع تدريجي في قدرة الولايات المتحدة على التحكم في قواعد التجارة العالمية.
  • تحول بعض الأسواق إلى نماذج اقتصادية تابعة لطرق التمويل الصينية.

بمعنى آخر، نحن نعيش بداية نظام اقتصادي عالمي جديد تشكل فيه الصين مركز القيادة التجارية واللوجستية.


                                           
ads
ads
ads